الشقيقة تكاد أن تفجّر رأسي يا شقيقي.. ولا أخفي عليك خوفي من ذلك، فقد يكون لانفجار رأسي مفعول انفجار قنبلة حقيقية فيهلكَ الناسُ، خوفي من أن أهلكَ على خوفي من أن يهلكَ خلق الله معي، لا تضحكْ يا بلميلود.. فلم يأت هذا التصور من خيالي بل من قراءة مخطوطة روائية أرسلها لي صديقي الخيّر شوّار، إنها روايته الثانية بعد حروف الضباب، وفيها وجدت أن رؤوس الناس تنفجر من تلقاء نفسها فتحدثَ خسائرَ لا تقلّ عن خسائر القنابل الحقيقية، ولأن الأمر غير متوقع فإن الناس والشرطة لم ينتبهوا إلى أن الرؤوس باتت تنفجر عفويا، لذلك فهم يقدمون قراءات للأمر تساهم في زيادة الانفجارات، كل تشخيص خاطئ للمرض يؤدّي إلى استفحاله. تصور أن ذلك يحدث فعلا في الجزائر، ياه.. ستكون لدينا حينها 35 مليون قنبلة مؤهلة للانفجار على فترات متقاربة، وطبعا فإن التلفزيون الجزائري سيعتم كعادته على كل الانفجارات التي ستحصل، وسيُكثرُ من بث البرامج الدينية لنشر الهدوء في النفوس ضمنيا، فنحن بارعون في الهروب إلى الدين متى انهردت علينا، ويا ليته كان هروبا إلى الجوانب العملية فيه حيث سنجد حرصا منه على القيام بما يجب في الميدان، الدين في حقيقته الجوهرية لا يشجّع على التقوقع، بل هروبا إلى الجوانب الطقوسية فيه فنضيع مرتين، هل لاحظت أن الجزائري حين يتوب يكثر من قيام الليل بالصلاة، ويهمل قيام النهار بالعمل؟، يصلي أكثر مما يعمل، وإن عاد إلى ما نسمّيه حياة طبيعية فهو يترك الصلاة والعمل معا، لذلك فالوطن في الحقيقة لا يستفيد منا أقمنا الصلاة أم لم نُقِمْ. كل الرؤوس مؤهلة لأن تتحول إلى قنابلَ قد تنفجر في أية لحظة، وعليه فسيستقيل كل الشعب معنويا من القيام بأي عمل، لماذا يعمل وهو سينفجر بعد حين؟، الشرطي لا يعمل، والمعلم التلميذ السائق الخبّاز تصور أنك تصحو صباحا لتشتري الخبز فتجد إعلانا معلقا على الباب المغلق للمخبزة يعتذر عن الغلق لأن رأس الخباز قد انفجرت الصحفي الإسكافي.. هل سنفكر يومها في أرجلنا مثلما نفعل الآن ونحن في أمان؟ نوّاب البرلمان.. لماذا ذكرتهم؟، إنهم لا يعملون في الظروف العادية فكيف بتلك الظروف؟ الفلاح.. تصور أنك تذهب إلى سوق الخضر فتجد البطاطا مثلا ملطخة بالدماء، تسأل فيقال لك إن رأس المزارع قد انفجرت وهو يجنيها، في تلك اللحظة تنفجر رأس البائع، ربما سيبقى الإمام هو الطرف الوحيد الذي يجد مبررا لاستمراره في الوعظ والإرشاد، ويومها سيجد نفسه مضطرا لأن ينصح الناس بعكس ما كان ينصحهم به في السابق، مثلا: اتركوا صلاة الجماعة حتى لا تكون الخسائرُ أكبرَ في حال انفجرت رأسُ أحد المصلين، من استطاع منكم أن يعيش في بقعة منفردا فليفعل وسيكون أجره عند الله سمينا، لا تقبّل من تلتقيه من المسلمين فقد يكون التقاء الرأسين مدعاة لانفجارهما، لا تحضروا الجنائز.. لا تتزوجوا يرحمكم الله. آه.. تكاد الشقيقة تفجّر رأسي يا بلميلود.. وجع.. وجع... وجع حتى أنني لا أدري هل أكتب ما أكتب الآن وأنا في الحقيقة أم في الخيال؟، لا يهم.. فلم يعد يعنيني مثلما لم يعد يعني كثيرا ممن أعرفهم إن كنت صاحيا أم نائما، ينتفي الفرق بين الأمرين في بيئة تكون معرضا فيها للانفجار في أية لحظة، وكيف لا تنفجر وأنت ترى وتسمع وتقرأ كل هذا الخرطي من الصباح إلى المصباح، الكل يخرط بطريقته الخاصة، حتى أنه يخرط وهو ينتقد من يخرط، أنا الآن أخرط عليك، ولا يهمني أن تقول لي إنني أخرط، لماذا لا أخرط؟، الكل يخرط ويدري أنه يخرط، قلة من الشعب تعلم أنها لا تخرط لكنها سرعان ما ترغم على نسيان ذلك في بيئة كلها خرطي فتنخرط في الخرط هي الأخرى، بل إنها تصبح أكثر الشرائح دفاعا عن ثقافة الخرطي بعد أن تذوق حلاوة ذلك، للخرطي حلاوة خاصة، مثلما للحقيقة مرارة خاصة، لذلك أنصحك بأن تترك عنادك وتنخرط معنا في الخرط، أنا أقول لك هذا لأنك شقيقي وصديقي ورفيقي وذاكرة طريقي، يا بلميلود إنك لا تجني من الشوك العنب، يا بلميلود تعالَ انخرط في الخرطي لتضمن راحة البال والمال وقلة السؤال. هل تعرف أفضل من الحكومة؟، إنها تخرط، أفضل من النواب؟، إنهم يخرطون، أفضل من اتحاد الكتاب؟، إنهم يخرطون، أفضل من الأئمة؟، إنهم يخرطون، أفضل من المسرحيين؟، إنهم يخرطون، أفضل من الأحزاب؟، إنها تخرط، أفضل من الأطباء؟، إنهم يخرطون، أفضل من الحقوقيين؟، إنهم يخرطون، أفضل من النفسانيين؟، إنهم يخرطون، أفضل من الجامعيين؟، إنهم يخرطون، أفضل من الطلبة؟، إنهم يخرطون، أفضل مني؟، إنني أخرط.