على الرغم من أن الحزب العتيد من أكثر الأحزاب الجزائرية ارتباطا بالحراك والنقاش الداخلي ، والذي يتدحرج أحيانا ليأخذ صور تحركات يمكن وضعها في محاولة تصحيح أوضاع معينة داخل الحزب، إلا أن هذه الحيوية والمخاض لم يؤثر على تماسك واستقرار الحزب والدليل أن الأفلان حافظ على مكانته كأكبر قوة سياسية في البلاد، ولم يحدث أن انشقت عنه شخصيات من الصف الأول في القيادة السياسية وذهبت لتقوم بتشكيل أحزاب جديدة. قد يكون الأفلان هو من دشن ظاهرة الحركات التصحيحية في الجزائر أو هكذا يحاول البعض أن يصور المشهد السياسي في الجزائر ، لكن واقع الحال أن التركيبة السياسية والفكرية والتنظيمية للأحزاب الجزائريةالجديدة منها والقديمة نسبيا تعرف من التململ والهزات ما يجعل الحديث عن الحركات التصحيحية داخل هذه الأحزاب هو ما يستحق التحليل والرصد، أما ما يحدث داخل الأفلان فهو لا يخرج عن دائرة الحراك والحيوية السياسية، وربما ما جعل الاهتمام بما يحدث داخل الحزب العتيد من صراعات ونقاشات واختلافات إعلاميا وسياسيا يكون أكبر مقارنة ببقية الأحزاب، مرده تجذر وأهمية حزب جبهة التحرير الوطني في الخارطة الحزبية والسياسية في الجزائر. ولعلّ ما حدث مع الأمين العام السابق للحزب العتيد الراحل عبد الحميد مهري أو ما يعرف ب»المؤامرة العلمية« يعد من أكثر التجارب وضوحا في هذا المجال، لكن الذي حدث بعد ذلك هو أن تغيير شخص الأمين العام لم يفض إلى انفجار أو انشطار الحزب، بل العكس هو الصحيح ، حيث خرج الأفلان من تلك التجربة أقوى وأصلب، والأهم أن الراحل عبد الحميد مهري لم ينشق على الحزب ويشكل حزبا جديدا، بل بقي مناضلا يقدم أفكاره ومقترحاته ضمن أطر ومؤسسات الأفلان. وبإلقاء نظرة سريعة على تطور النقاش السياسي والفكري داخل الحزب العتيد يمكن الجزم أن ندرك أن الأفلان هو أكثر الأحزاب والمدارس السياسية في الجزائر حيوية، ويكفي أنه يكاد يكون الحزب الوحيد الذي تداول على منصب الأمين العام وعضوية المكتب السياسي واللجنة المركزية المئات من الإطارات السياسية، على اختلاف رؤيتها وفلسفتها في طريقة إدارة شؤون الحزب والشأن العام، لكن الذي كان يجمع كل هؤلاء هو الالتزام بالخط الوطني وبالمبادئ والأسس التي بني عليها الأفلان. وفي هذا السياق يمكن أن نعيد مراجعة مفهوم ومصطلح الحركة التصحيحية حين يتعلق الأمر بالحزب العتيد ، فالذي حدث ويحدث لحد الآن من صراعات ونقاشات واختلاف داخل الأفلان لم يخرج عن دائرة التجاذب والتصادم داخل وضمن إطار المدرسة والتيار والمؤسسة الواحدة ولم يحدث أن خرج أي من دعاة الإطاحة بالأمين العام الحالي، أو أي شخص حاول التعبير عن غضبه أو اعتراضه ليتحدث عن تغيير توجهه وفلسفته السياسية والفكرية. إن الاختلاف والتدافع داخل أي حزب سياسي هو من حيث المبدأ ظاهرة صحية وايجابية ؛ خاصة إذا كان هذا الحزب يمتلك قواعد وهياكل صلبة وأصيلة تحول دون تفتته وانشطاره، وهو ما ينطبق تماما على الحزب العتيد الذي نجح بفعل حالة الحراك والحيوية التي يعرفها في أن يثري الساحة السياسية بمئات الكوادر والشخصيات السياسية، سواء على المستوى التشريعي أو التنفيذي ، على خلاف أغلب الأحزاب الأخرى التي لم تعرف قياداتها وكوادرها تغييرا يذكر. وحتى بعض الدوائر الإعلامية والسياسية التي حاولت أن تجعل من موعد انعقاد دورة اللجنة المركزية القادمة للحزب العتيد منتصف هذا الشهر حدثا مفصليا وحاسما في تاريخ الأفلان يبدو أنها لا تعرف جيدا التاريخ السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني الذي يحفل بالعديد من المحطات السياسية والحزبية التي وصل فيها النقاش والاختلاف إلى مستويات حادة، لكن الذي يحدث أن أطر وهياكل الحزب نجحت دائما في استيعاب وامتصاص أي هزات عابرة .