ما يحدث داخل الحزب العتيد من احتجاجات لأعضاء من القيادة السياسية، والتي كان آخرها تجمع عدد من أعضاء اللجنة المركزية الذين طالبوا بعقد دورة طارئة للجنة المركزية، وإن كان البعض -لا سيما من خارج الحزب- يرى فيه هزة أو ربما زلزالا عنيفا قد يعصف بمكانة الحزب وريادته للساحة السياسية الوطنية في الاستحقاقات المقبلة، إلا أنه من وجهة نظر كثيرين من الذين خبروا العمل السياسي في بلادنا، هو ظاهرة عادية يفرزها الحراك السياسي، لأن الأمر في النهاية يتعلق بأحزاب سياسية وليس بثكنات عسكرية. وبعيدا عن التفاصيل الإجرائية والقانونية، فإن الأهم في كل ما يحدث هو أن كل هذا المخاض والصراع بقي لحد الآن تحت سقف العمل السياسي المشروع والمفهوم والمقبول وهو في نهاية الأمر سلوك عادي ومعروف داخل حزب سياسي كبير بحجم وقوة الأفلان. وبرغم أن بعض الدوائر السياسية والإعلامية قد حاولت عبثا أن تحمل ما يحدث داخل الحزب العتيد أكثر من ما يحتمل من خلال إعطاء قراءات وتأويلات ثبت بطلانها وخطؤها ، وقطعا هي خاطئة اليوم وغدا، وأساس هذه القراءات هو أن الحزب العتيد وقياسا بما يعرف من احتجاجات وحالات غضب سيكون مآله الفشل والسقوط في الاستحقاقات القادمة، في حين أن حزب جبهة التحرير الوطني سبق وأن عرف مثل هذه الأحداث وخبرها في الماضي مرات عدة، وكان في كل مرة يخرج منها أكثر قوة وتماسكا والدليل هو محافظته على الريادة السياسية في الجزائر. وبعيدا عن نظرية المؤامرة التي تشكل العقيدة الأساسية للكثير من الواهمين بسقوط القوة السياسية الأولى في الجزائر، نستطيع أن ننظر إلى ما يحدث داخل الحزب العتيد من حالات غضب واحتقان من زاوية أن أي حزب ديمقراطي منفتح على قواه الحية، من الطبيعي جدا أن يصل مستوى السجال والنقاش والخلاف، خاصة في المواعيد السياسية الهامة والمفصلية، إلى مستويات حادة أحيانا. إن الصراع داخل الأحزاب ظاهرة عادية في أعرق الديمقراطيات، لكن مصلحة الحزب تبقى هي الأهم. وهذا السلوك السياسي الراقي ليس حكرا على الأحزاب في الدول الغربية، بل هو حال كل الأحزاب الديمقراطية العريقة في العالم، والأفلان له من الخبرة والتجربة ما يؤهله أن يكون في مصاف هذه الأحزاب والتجربة والتاريخ يؤكد ويختم على ذلك. وجدير بالتذكير أن ما حدث ويحدث داخل الأفلان يجري تحت سقف اللوائح والنصوص الحزبية، وفي مقدمتها القانون الأساسي والنظام الداخلي، لأن المحافظة على هذه القوانين واللوائح هو صمام الأمان للمحافظة على تماسك الحزب، ولأن أي حزب سياسي هو في النهاية مؤسسات وهياكل تحكمها قوانين وأسس، وأي مساس بهذه القوانين سيؤدي إلى انهيار الحزب، وبالتالي من المهم أن يعي الجميع أن الاحتجاج والاعتراض والغضب هو سلوك سياسي مقبول ومفهوم ، بل يصل أحيانا إلى أن يصبح مطلوبا حتى يمنح الحيوية ويشعل المنافسة بين كوادر ومناضلي الحزب حتى يصل إلى سلم المسؤولية من هو أجدر بها ، لكن شريطة أن يبقى كل هذا التحرك ضمن إطار العمل السياسي الشرعي والهادئ والمتزن والمراعي لمصلحة الحزب أولا وأخيرا. إن ما يتوجب على أبناء الأفلان، كل أبناء الأفلان، الانتباه له هو أن الظرف حساس وخطير للغاية؛ فالحملة الانتخابية لموعد انتخابي حاسم ومفصلي بعد أيام ولا مجال الآن للمغامرة بمستقبل الحزب الذي يمثل استقراره وتماسكه دعامة أساسية لاستقرار الوطن، وحري بكل مناضل، مهما كان موقعه ومهما كانت مسؤولياته، أن يدرك أن الوقت الآن هو للوقوف إلى جانب قوائم الحزب ودعمها، حتى يبقى الأفلان القوة السياسية الأولى، بإرادة مناضليه واختيار الشعب الحر والسيد.