يعكس الحراك الذي يعرفه حزب جبهة التحرير الوطني المفاجآت الكبيرة التي ينوي تحقيقها في الاستحقاقات القادمة، بعيدا عما يعيشه الحزب من انقسامات وانشقاقات. يتحدث العديد من مختصي السياسة عن حظوظ كبيرة للحزب للفوز بالتشريعيات وبفارق ملحوظ مثلما كان يحدث منذ 2002. تثير التحولات والتطورات داخل «الافالان» الكثير من التساؤلات حول واقع الحزب ورهاناته في التشريعيات القادمة ومستقبله في ظل التناقضات والصراعات التي لم يتخلص منها منذ المؤتمر الثامن الجامع المنعقد في نهاية جانفي 2005. ولا نستبعد أن تكون الصراعات وحركات التمرد داخل الحزب تمويها وخطة محكمة تسعى التشكيلة السياسية من خلالها إلى توجيه الرأي العام وإبعاد الأنظار لقلب الطاولة على الجميع يوم 10 ماي لأن «الأفلان» أكد في العديد من المرات قدرته على المناورة والصمود في وجه الهزات والخروج سالما غانما من كل استحقاق. وتثبت الانتخابات السابقة تكيف أقدم حزب في الجزائر مع التطورات، فبعد الانهيار في بداية التسعينات أمام القوى السياسية الجديدة وخسارته الكبيرة في تشريعيات 1997 عاد من بعيد في الانتخابات التشريعية والبلدية في 2002 واحتل المرتبة الأولى التي حافظ عليها في 2007، وهو ما جعل الجميع لا يصدق الكثير من حركات «التمرد الداخلية» التي تحدث بين الفينة والأخرى. وكشفت العديد من الوجوه والشخصيات التي ترعرعت في «دهاليز» الحزب أن صحة جبهة التحرير الوطني في اختلافها وكثرة الصراعات مثلما تحدث عنه المرحوم محمد شريف مساعدية مرات عديدة حيث قال «...لا ينتهي اجتماع للأفلان دون أن يترك الريش وراءه» ككناية عن الاختلاف والصراع ولكن من أجل المصلحة وتحقيق الأهداف المرجوة. والمتتبع لمسار الحزب في السنوات القليلة الماضية منذ ما اصطلح على تسميته ب«الحركة التصحيحية» في 2004 نلمح التأثير الكبير للجبهة في الساحة السياسية من خلال تواجده في الجهاز التنفيذي وقيادته للحكومة بالتداول مع «الأرندي» واسترجاعه للكثير من جمعيات المجتمع المدني وتسطير سياسة إعلامية جعلته لا يغيب أو ينقطع عن المشهد السياسي. ويأتي هذا التنبؤ بعد أن استبق عبد العزيز بلخادم الحديث بفوز الإسلاميين ب35٪ من المقاعد وهو ما أحدث ضجة كبيرة غير أن نصف الوعاء الذي تبقى فيه 65٪ يستطيع أن يجلب أغلبية مطلقة. وتمكن الحزب العتيد من توجيه ردود فعل الأحزاب التي أقامت الدنيا ولم تقعدها على تصريحات بلخادم الذي حاول جس نبض ثقة الأحزاب بنفسها وطريقة تفاعلها مع التناقضات والحرب الإعلامية لتسطير خطة إضعافها وإفقادها الرغبة في التغيير بطريقة سلمية. ويمكن إدماج ما روجه من استمالة «الأفلان» للتيار الإسلامي بعد التشريعيات القادمة كخطوة استباقية من اجل ضمان شريك مستقبلي يشكل معه تحالفا للحفاظ على التوازنات الكبرى والتصدي لكل محاولات تحييد الحزب العتيد. ويبقى ال10 ماي محطة حاسمة للتأكد من مقدرة حزب جبهة التحرير الوطني على تجاوز الأزمات وتحويلها لنصر يؤكد به مدى تجذره في أعماق الجزائر.