" الحرقة" " أنتوما ولا هوما"، " جرح الأمة واحد من المحيط إلى الخليج " وغيرها من الكلمات والعبارات المكتوبة على جدران الشوارع والمؤسسات التربوية والعمارات، وحتى داخل المراحيض، هي ظاهرة اجتماعية بات الوقوف عندها وقفة جدية حتمية ضروريا، مثلما بات إلزاميا علينا طرح هذا السؤال، لماذا يلجأ الجزائري إلى الكتابة على الجدران؟ هل لأجل التنفيس على همومه؟ أم لأشياء أخرى. يفسر الأخصائيون النفسانيون ظاهرة الكتابة على الجدران على أنها حالة نفسية عابرة، يفرج الفرد فيها عن كربه أو همه أو يعبر بها عن حاجة يرغب تحقيقها على أرض الواقع، وتقول الأخصائية النفسانية فايزة خلوفي إن الكتابة على الجدران لها نفس معنى الكتابة على الأوراق، فالفرد الذي يلجأ إلى الجدار ليكتب ما يتبادر إلى ذهنه أو خاطره، هو يعيش تقريبا نفس حالة الكاتب أو الأديب، غير أن الوسيلة والطريقة في إسقاط ما يختلجه تختلف، لذا ممكن أن نسمي الكتابة على الجدران تعبير غير نظامي وفوضوي لأنها تضر ببيئة المجتمع ولأنها قد تمس بتقاليده وتخدش مبادئه". وتضيف الأخصائية النفسانية في معنى الكلمات أو العبارات التي يرسمها الشخص عل جدار المؤسسات التربوية أو الشوارع و الأزقة و حتى العمارات والمراحيض " إن الفرد في تلك اللحظة يحاول أن يعبر عن حالته النفسية وعن أهدافه وعن رغبة ما يراد تحقيقها لكن الأمر استصعب عليها على أرض الواقع" كما أنه تردف ذات المتحدثة قائلة " هذه الكلمات والعبارات تعبر عن موقف من المواقف المساندة للقضايا العربية والإسلامية، مثلما ذكر " جرح الأمة واحد من المحيط إلى الخليج، حيث تحمل هذه العبارة عن الوحدة العربية و هي قضية من قضايانا الآنية وهذه العبارات تعتقد المتحدثة " من صنيع عدة أشخاص وليس فقط فرد واحد". و أكدت الأخصائية النفسانية" إن فقدان حنان الأم والمحيط الأسري هي أحد الأسباب المباشرة لبناء شخصية بعقد نفسية وتحكمها العواطف قبل العقل " موضحة أن الطفل في ظل غياب هذا الحنان و صدر أمه الذي ينفس له عن همومه، تكبر بداخله فكرة الهروب إلى الخارج والارتماء في أي حضن آخر يراه مفرج كربه والجدران في هذه الحالة تكون بمثابة الورقة التي يحملها الكاتب أو الشاعر التي تسمح له التعبير عما بداخله بالطريقة التي يشاء، ويبرز وجوده في النسيج الاجتماعي الداخلي والخارجي وعليه – بحسبها- فإن على الأسرة أن تتقرب من ابنها وتتقرب منه و تعمل على تذليل النقص وبالتالي تجنيبه العقد النفسية، على اعتبارها تكبر بمرور الزمن و تزيد تعقيدا. جدران المؤسسات التربوية بأطوارها الثلاثة لا تختلف عن جدران الشوارع والعمارات، إذ يذهلك المظهر الخارجي المنمق بكثير من الكلمات و العبارات التي يكتبها التلاميذ، إما تترجم موقفهم من الدراسة أو المعلم الذي لم يعطه العلامة التي كان يتوقعها أو تحدثك عن موقف من قضية ما أو رغبة مثلا في الحرقة أو مناصرة فريق من الفرق، كما أنها وللأسف تكون عبارات سب وشتم و جنس. وتقول المعلمة " نعيمة، ب" " صدفة وأنا أتجول في الساحة لمحت تلميذة تكتب بالطباشير على جدران المرحاض، تقربت منها فوجدتها كتبت اسمها وتهم لكتابة اسم صديقتها " ولما سألتها عن السبب، تردف المعلمة هربت وأخذت تبكي مخافة أن أضربها، والحقيقة أبلغت معلمتها حتى تنصحها بعدم تكرار الكتابة على الجدران. نفس المشهد تقريبا حدث مع أحد تلاميذ القسم الثانوي مثلما ذكر لنا الأستاذ "محمد.ك" الذي صادف تلميذه يكتب عبارات غريبة تتحدث عن الحرقة، و أخبرنا أنه تقرب منه وتحدث إليه غير أن التلميذ شعر بنوع من الخوف و الخجل ورفض أن يفصح له عن الأسباب التي دفعته للكتابة، سوى أنه راح يقلد ماهو مكتوب على جدران الشوارع، لافتا إلى أن الأساتذة والمعلمين لهم دور وملزمين بتنبيه التلاميذ التخلي عن مثل هذا السلوك المعوج، وصقل أفكارهم. نكتب لنعبر عما بداخلنا عما تعبر هذه العبارات؟ ولماذا يعمد هؤلاء إلى الكتابة على الجدار بدل الأوراق ؟ يقول عماد 20 سنة " الكتابة على الجدران تعبر عن مشاعرنا وطموحاتنا التي لا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع، كما أنها تعبر عن مواقفنا من هذا الشخص أو ذاك " إذا أردنا مثلا أن نبلغ شخصا ما رسالة تعبر تعبيرا قويا عما يختلج صدورنا و ما يثير الغضب. ويضيف مروان 23 سنة " نحن لا نقوم بعمل قبيح نحن نسعى للتعبير عما يؤلمنا بداخلنا فإذا لم نعبر عنها على الجدران فإننا لا محالة سنصاب بإحباط نفسي وسننتحر، لذا لا أرى غرابة في ظاهرة الكتابة على الجدران، مضيفا نحن نكتب ما يبادر إلى ذهننا ولا نكتب مثلما يكتب الأدباء. منحرفون وراء الظاهرة وعبر بعض الطلبة الذين تقربنا منهم عن استغرابهم واستهجانهم في الوقت نفسه هذه الظاهرة وتقول الطالبة، عقيلة من معهد القبة، في الحقيقة أصبحنا نخجل من السير في الجامعة بعد أن قام زملاؤنا بزركشة جدرانها بعديد من الكلمات و العبارات المخجلة التي تتحدث عن الجنس و عن الحب و أحيانا ترفق برسومات غريبة وفظيعة، لم يعد بوسعنا الذهاب أيضا إلى المرحاض لأننا لا محالة سنكتشف هناك عبارات تخدش حياءنا. وتردف طالبة أخرى من جامعة باب الزوار " جدران الجامعة تغطيها الكلمات والعبارات المخزية كما تغطيها كلمات سب وشتم لبوش و مساندة الفلسطينيين" مضيفة " و أعتقد أن العبارات المخزية يكتبها طالب يسير نحو الانحراف، غير أن العبارات التي تتحدث عن فلسطين أراهم طلابا واعون بقضايا الأمة، ولهم رغبة قوية في تقديم يد مساعدة غير أن عدم قدرتهم على تحقيق تلك الرغبة تدفعهم للتعبير عنها عبر جدران الجامعة".