الحل الذي اهتدى إليه الزعيم الليبي معمر القذافي بإلغاء الوزارات وحل الإدارة وتسليم كل ليبي حصته من عائدات النفط بشكل مباشر هو في حقيقته تعبير عن حالة يأس من إمكانية تحقيق النصر على الفساد المستشري. القذافي اختار أن يتحدث بصراحة وقال إن الفساد مرتبط بالإدارة ولا يمكن القضاء عليه إلا بحل هذه الوزارات التي استهلكت 37 مليار دولار دون أن تنجح في مهامها، ولأنه لا يملك حلا مناسبا للمشكلة فقد أخذ بخيار اجتثاث الإدارة رغم إقراره بأن الفوضى ستسود خلال أول سنتين من تطبيق هذا الإجراء قبل أن ينظم المجتمع نفسه، لكن هناك مشكلة، فمن بين الوزارات التي قرر القذافي الاحتفاظ بها الداخلية والعدل وهي التي ستتولى تسيير الفوضى خلال المرحلة القادمة وقد تكون هي البيت الجديد الذي سيعيش فيه الفساد وينمو. صحيح أن الفساد موجود في كل أنحاء العالم وهو مرتبط بالإدارة في حالات كثيرة لكن درجات الفساد تختلف وهي أشد في الأنظمة السياسية الأقل انفتاحا والأقل شرعية، والفساد الأعظم هو ذلك الذي يستفيد من غطاء قانوني توفره أنظمة قضائية فاسدة وقضاة مرتشون وهو أمر سائد في دول العالم الثالث أكثر مما هو شائع في دول الغرب، ومن هنا فإن الحل قد لا يكون في حل الوزارات وتسليم المال بطريقة مباشرة إلى المواطنين، بل يكون الحل باعتماد عدالة نزيهة وبإعطاء هذه الشعوب حقها في حكم نفسها ومراقبة من اختارتهم لتسيير شؤونها وهذا لن يتحقق إلا من خلال إعادة النظر في مهام وزارات الداخلية والعدل التي استثنيت من التجربة المثيرة التي ينوي القذافي تطبيقها في ليبيا. الفساد قوي لأن المجتمعات ضعيفة، وهو يزداد قوة بسبب اعتماده من قبل الحكام طريقة لإخضاع هذه المجتمعات الضعيفة لأطول فترة ممكنة، ولن يكسب المعركة ضد هذه الفساد من هو مكبل أو عاجز عن الحركة.