استضاف موعد "أربعاء الكلمة" بميدياتيك "بشير منتوري"، مؤخرا، المؤلف لزهاري لبتر، لتقديم كتابه الجديد "آنا غريكي، الحب وحرقة في القلب"، يتناول فيه محطات من حياة مناضلة، ضحت من أجل الجزائر، وتعرضت في ذلك لأبشع أنواع التعذيب، كما ساهمت في السنوات الأولى من الاستقلال، في التأسيس للمشهد الثقافي الجزائري. قال الأستاذ لبتار، إنه سمع عن هذه الكاتبة المجاهدة حين دخوله لأول مرة قسم الأدب الفرنسي، بجامعة الجزائر، حيث كانت تدرس، لكنه لم يراها، لأنها كانت السنة التي توفيت فيها أثناء وضعها لمولود بمستشفى "مصطفى باشا". الراحلة آنا كوليت غريفوار غريكي، ولدت في مدينة باتنة سنة 1931، وتربت في منطقة منعة (كتبت عنها شعرا) قرب أريس، حيث ترعرعت هناك واختلطت بالجزائريين وعرفت مأساة البؤس والاستعمار، وتعلمت اللغة العربية، ثم انتقلت إلى مدينة سكيكدة، لتواصل دراستها الثانوية وتتحصل على البكالوريا. أكد المتحدث، أنه عرف الكثير عن هذه المناضلة الشاعرة، بداية من الجامعة، ومن أصدقائها؛ الراحل محمد خدة والشاعر الحاج باش علي وعلولة وغيرهم، وكانت أشعار هذه المجاهدة التي لا نظير لها، مقررة في المنهج الدراسي بعد الاستقلال، خاصة ما يتعلق منها بالجزائر، مضيفا "فتنت بشعرها ولا أزال إلى اليوم، وهي حقا نجمة الشعر الجزائري المكتوب بالفرنسية". عن سبب كتابته عن حياتها، قال لبتر، إنه اتخذ القرار منذ سنوات، خاصة بعد أن لاحظ قلة الكتابات عنها، ماعدا كتاب "شعر الحب والثورة" لصاحبه عبد الرحمن جلفاوي، الصادر في 2012، كما نشرت دار "البرزخ" بعض نصوصها مع خدة في كتاب، وكذلك دار النشر "الكلمة". من ضمن ما ذكره الأستاذ لبتر، أن الشاعرة المترجمة لميس سعيدي، سمعت ذات مرة، شعر غريكي، لكنها لم تلتفت إليه، لأنه قُرئ برداءة، وفي يوم ما وهي تقلب في رفوف المكتبة الوطنية، صادفت كتاب الراحلة "الجزائر عاصمة الجزائر البيضاء"، وقرأت شعرها، فذهلت وقررت ترجمته للعربية، وهنا ثمن المتحدث جهد سعيدي الكبير والاستثنائي، وقال الأستاذ، إنه تناول في الكتاب إبداعها الأدبي والنضالي والإنساني، بعد سنتين من البحث المكثف، رغم نقص الأرشيف. بعد حصول آنا غريكي على شهادة البكالوريا، وهي في سن 16 عاما، اتجهت لدراسة الأدب بجامعة السربون في باريس، وهناك عاشت قصة حب مع البطل الشهيد سيد أحمد اينال، ابن تلمسان، الذي كان هو حينها في قسم التاريخ، ومع اندلاع الثورة، قررا معا مع بعض الأصدقاء، العودة للجزائر والالتحاق بالثورة، ليستشهد هو بعد معركة في الجيل، ويعذب لدرجة فقع عينيه حيا، ثم إحراقه بالبنزين، ما آلمها كثيرا وكتبت عنه قصائد. أما هي، فالتحقت بالعمل الفدائي بالعاصمة، واشتغلت مع رفيقتها كلودين وبدأتا بإيواء المناضلين المطلوبين في فيلا "ميراي"، بشارع الشهداء، قرب التلفزيون الجزائري حاليا، لكن المظليين اكتشفوا الأمر، فسارعت للذهاب إلى عنابة لتدرس في ابتدائية، كان يديرها والدها، لحوالي عام كامل، وعند العودة إلى العاصمة، اعتقلت سنة 1957، وتم احتجازها في فيلا "سيزوني" المرعبة، حيث عذبت واغتصبت، ولم تعترف بكلمة، وفي هذه الفترة، تعرفت على أخريات، كجميلة بوحيرد وآنا سنيكر وإغيل أحريز، ممن مررن بهذا المكان الوحشي، بعدها نقلت إلى سركاجي، حيث عانت من ليالي إعدام الجزائريين والجزائريات، وتأثرت باستشهاد باية حسين و40 شهيدة، لكنها ظلت صامدة تردد نشيد "من جبالنا"، لتجر مرة أخرى إلى مركز الفرز ببني مسوس، حيث الجوع والعطش والبرد والضرب والقتل، وتنفى أخيرا لمسقط رأس والدها بمدينة أفينيون الفرنسية، ثم تلتحق بتونس وتتعرف على شخصيات مهمة في الثورة، وتتزوج مع جون كلود مالكي، وتنجب منه طفلا سنة 60، ثم تلتحق بعد دخولها الجزائر في الاستقلال بالجامعة المركزية. أصدرت أنا غريكي أول مجموعة شعرية بعنوان "الجزائر عاصمة الجزائر البيضاء" ب 30 قصيدة، فيها سنوات السجن وطفولتها السعيدة في منطقة منعة مع الصديق "نجاي"، وقصائد أخرى لروح أحمد اينال، كما اشتغلت بجريدة " الثورة الإفريقية"، ثم بوزارة السياحة، وأستاذة اللغة الفرنسية بثانوية "الأمير عبد القادر"، وكانت عضوا في اتحاد الكتاب الجزائريين رفقة خدة ومعمري والأشرف وكاتب ياسين وبن هدوقة وجمال عمراني، وآخرون من رفاق درب الكفاح من استقلال الجزائر، وتألمت كثيرا بقانون الجنسية الذي حرمها من الجنسية الجزائرية، لأنها من أصول أوروبية. تحدث الأستاذ لبتر أيضا، عن علاقته بابن الراحلة ويدعى كلود، وقد اكتشفه صدفة في صورة بكتاب جكلين قروج صادر عن "البرزخ"، حيث كان مع أمه آنا، وعند البحث والتأكد، اتصل بكلود الذي كان عمره 6 سنوات، وأرسل له الكثير من الصور والوثائق والكراسات التي تركتها، وكان بمثابة معجزة تحققت للكاتب. كما أسهب الأستاذ لبتر في الحديث عن ظروف أخرى، عاشها أثناء البحث، منها سر مكان دفنها، حيث قضى وقتا في البحث في المقابر المسيحية بالجزائر، وفي مستشفى "مصطفى باشا"، وفي أرشيف جريدة "المجاهد"، بدون نتيجة، ليعرف من ابنها أنها مدفونة في مقبرة سانت كاترين بفرنسا، مع صور لنقل جثمانها وشعرها المنقوش على القبر، الذي أعاد لبتر ترميمه فيما بعد. أسهب الضيف أيضا في الحديث عن الشهيد اينال، علما أن إخوته كلهم استشهدوا في الجبل، ولم يبق سوى أخوه المجاهد جعفر بالعاصمة، الذي زوده بالأرشيف. للإشارة، طلب الحضور النوعي والغفير، أن تبادر وزارة المجاهدين إلى اطلاق اسم آنا غريكي على إحدى الهيئات أو الشوارع والساحات، وإعادة تقديم تراثها ونضالها، كي يطلع عليه شباب اليوم والغد.