كثيرا ما سألتُ من أحاورهم لماذا يركّز الغرب والاستشراق عموما على المرأة في العالم الإسلامي وينتقد وضعيتها وتخلّفها بسبب التقاليد والأعراف من جهة والفهم القاصر أو التفسير المتطرف للإسلام. وكان اللافت بالنسبة إليّ أن معظم إجابات هؤلاء تردّ على نظرة الغربيين والمستشرقين برفض طروحاتهم وطبعا اجترار نفس الخطاب بأن الإسلام شرّف المرأة وأعطى لها حقوقها..! لم تكن المشكلة طبعا في النصوص بل في قراءتها، وأما التجربة التاريخية وما عاشته المرأة منذ قرون فشيء آخر بكل المقاييس وتقاطع حتى مع "الشرع" وتوقف حركة الاجتهاد وحقب الممارسات الاستعمارية ومع عوامل أخرى متداخلة.. لقد تنبّه بعض رجال السياسة ورجال التحرر وبعض المفكرين المسلمين وحتى الدعاة لوضعية المرأة وتخلّفها والذي هو في الجوهر انعكاس لتخلّف المجتمع العربي من جهة وأحد الأسباب الرئيسية لهذا التخلّف أيضا.. غير أن جهود هؤلاء لم تحرز نتائج حاسمة تخرج المجتمع العربي من درك التخلف وتضع المرأة في مكانتها الفاعلة والتفاعلية أيضا، والدليل على ما نقول ما تنقله وسائل الإعلام والفضائيات عن حالات حيف اجتماعي ونفسي وأخلاقي تحياها المرأة في كثير من الأقطار العربية من تحرّش جنسي ومساومات عند التوظيف وتزويج قسري أو دون البلوغ وحرمان من الميراث وما إلى ذلك من الممارسات الجائرة وهضم الحقوق، حتى إن هذه الصور القاتمة والحالات المؤسفة ظلّت إلى الآن مادة خصيبة للإثارة والترويج الإعلاميين في الغرب وفي المجتمع العربي على السواء.. ذا هو ما حدث للطفلة اليمنية نجود علي صاحبة العشر سنوات والتي احتفى بها الغرب لأنها اضطهدت في بلدها واختيرت لتكون "امرأة العام" فتنال جائزة كبرى بهذا الخصوص بعدما اشتهرت عالميا بعد رفعها دعوى قضائية لتطليقها من زوجها الذي يكبرها بثلاث مرات. نجود استغلّها الغرب إعلاميا وعبر شبكات التلفزيون لتروي قصة معاناتها بعدما تمرّدت على الزواج القسري في بلد مثل بقية البلدان العربية والإسلامية يجعل سن زواج البنت في الخامسة عشر عاما لكن العادات القبلية والغلو في الدين تتجاهل ذلك وتزوّج البنات وهن في حجور أمهاتهن وطمعا في المهور والصفقات..! نجود..صورة قاتمة بائسة عن وضعية المرأة العربية ومعاناتها التي لن تحرّرها الدساتير ولا القوانين، لأن الممارسات والعادات صارت أشبه بقواعد عمل وفلسفة حياة، ولن يجدي خطاب ديني رسمي يُشيد بالإسلام وبمحمد لأنهما كرّما المرأة مادامت حياتنا حُبلى بأشكال التمييز والاضطهاد.. لا تزال المسافة بعيدة، وما نراه أحكاما نمطية عن المرأة من قبل الغرب له ما يؤيّده في الواقع العربي المهين..! "أنا الذي حفظت نهدك من تسكّعه وجعلته أميرا وأدرتهُ..لولا يداي أكان نهدك مستديرا "؟ نزار قباني