اعتقد أني لست الوحيد الذي لم يعر النعل أي اهتمام يليق به، ويشعر بمزايا الخدمات التي يقدمها لنا يوميا، وهو يقينا من القرّ ومن الحرّ، ومن الأشواك والأوحال ومن كل ما يدنس الأقدام أو يؤذيها أو يدميها مستغنيا عن أصناف المدح والإطراء والتمجيد، التي نقدمها لبعضنا بعضا تزلفا أو خوفا أو رياء أو نفاقا أو واقعا. نفتخر بأقدام الرياضيين المهرة ونشكرها وحدها على تحقيق الفوز، ونمنح لأصحابها الجوائز الثمينة والأكراميات السخية دون أن نذكر شيئا عن الحذاء الذي كان له وحده الدور المتميز في فعاليات المباراة، لكل عناصر المنافسة وأعضاء طاقم المحاكمة. ولم نطلع في التاريخ على قصص أو أحداث نسجت أو سجلت أو حققت فيما يخص الأحذية أو يتعلق بها، غير ذلك الذي يضرب به المثل في الفشل إذ يقال رجع فلان ب" خفي حنين"، حنين هذا الذي وضع واحدة من الخفين وعاد ليأتي بالثانية التي افتقدها فلم يجدها، ولما رجع للتي تركها لم يجدها هي الأخرى فخسر الاثنتين. أو ما حقق فيه الكاتب الصحفي الشهير – أنيس منصور – الذي حكى لنا عن الفيلسوف الذي رمى بنفسه في فوهة بركان، فأطار الهواء المندفع من البركان حذاءه بعيدا عن الحمم فعرف الناس أنه انتحر. وحكاية تلك السيدة الفليبينية التي جمعت ما بين 400 إلى 500 حذاء ويقولون ألفا، ثم باعتها فيما بعد، أو ذاك الضابط العسكري الشرس الذي سموه – الحذاء الصغير- لصغر قدميه. وأن شجرة الدر المصرية قتلتها ضرتها ب "القباقيب" ووضعت حذاءها في فمها، وأن الثورة المصرية بدأت نشاطها بضرب السنهوري باشا في دار القضاء ب "الجزمة" على حد قول الأشقاء المصريين. ولما خلع الزعيم السوفييتي خروشوف حذاءه في الأممالمتحدة، وضرب به المنصة حاسبوه في روسيا على هذا الفعل الذي اعتبروه بدائيا وفضيحة. كما يقال أن أول ما يلفت نظر المرأة إلى الرجل هو حذاؤه، وأنها تعرفه من هو وماذا يساوي وما ذوقه من خلال حذائه، ولو كان الحذاء باليا وغير براق، لا أعرف أنا ولا يعرف الأستاذ – أنيس منصور- لماذا ؟ غير هذا، لا نعرف سوى أنواع الأحذية وألوانها والاختلاف بين جلودها، وهل هي بكعب أو بغيره، تصلح للقصار أو للطوال ... هذا وأن حجاجنا الميامين يبلغ بهم الغضب من الشيطان الملعون الدرجة القصوى فيرموه ب "صناديلهم". فما بالنا في العصر الحديث، ومع تطور الأسلحة الفتاكة، أنه لا مجال تماما للحديث عن سلاح ما إلا ما يسميه الفقه القضائي بالسلاح الأبيض، والذي لا تدخل الأحذية في تعداده. أما بالنسبة لتصور الصحفي العراقي "المنتظر الزيدي"، الذي لا شك أنه آمن في نهاية المطاف، وبعد أن تحول العراق العظيم من الوحدة إلى الفرقة والتشتت، ومن المقدرات المحسوب لها إلى الفتنة والتهجير والتجويع، آمن بقول أحمد شوقي: قد يهون العمر إلا ساعة إنه ولما بلغت به المواجع مداها، وتملكته الأحزان والمخازي من دماغه حتى حذائه رأى أن ساعة تكريم الرئيس بوش على أرض العراق الذبيح ساعة يهون العمر من أجلها، وأن دمار بوش لكل العالم كان دماره للعراق أشد قسوة وأكثر تنكيلا. "المنتظر الزيدي"، الذي أكد أنه من أبناء العراق النشامى الذين يعيشون مأساة أبناء العراق ويعتصرون آلامهم بإحساس خاص ومتميز فبلغ به الأمر مبلغه، فدخل وحذاؤه التاريخ، لما رأى أن الفرصة قد حانت لإهانة أكبر دولة نووية في اعتقادها أنها جمعت بأطراف العالم وبأطراف تحقيره، ونسيت أن إرادة الشعوب لا تقهر، وأن في العراق المجاهد أُخترع سلاح جديد للمهانة وللعطب يسمى القندرة ..!؟