اقترب يوم الفصل، فما كان يؤجّل باستمرار لحسابات تتعلّق بالتوقيت المناسب والرغبة في تحقيق الأهداف بأقل التكاليف، صار الآن واقعا مفروضا في غزة. لم يكن الاختيار بيد حماس، لا ريب، فالحصار كان مؤلما والهدنة لم توقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة ولا فتحت المعابر، ومن الحماقة السياسية للسلطة في رام الله أنها انتقدت الحركة في الوقت ذاته الذي أدانت فيه العدوان، والأسلوب ذاته اتبعته مصر في اليومين الأولين للعدوان قبل أن تحاول التدارك في موقف دفاعي لدبلوماسيتها هو الأضعف منذ عقود. ومن الغريب أن القاهرة حرصت على أن يشاد بدورها على الأقل، وليس موقفها طبعا، في مؤتمر وزراء الخارجية العرب وقد أثنت على ذلك بالتأكيد الرياض بالرغم من ضعف بيان المؤتمر. الصورة اكتملت الآن لمن التبس عليه الأمر، فهذه الحرب الأحقر في تاريخ الحروب هي حرب من أجل "الاعتدال" في المنطقة تماما مثلما وصفتها ليفني في باريس، والاعتدال بالمفهوم الصهيوني والأمريكي هو قهر الإرادة الفلسطينية من خلال نسف قوة "إرهابية" مناوئة للتسوية بالشروط الإسرائيلية والسير في ركاب السلام الوهم الذي منح للفلسطينيين في أوسلو. كان الغرض من حرب يوليو 2006 كسر إرادة المقاومة والحلف المتطرف الذي تمثله قوى معينة والرافض لمشروع الشرق أوسط الكبير، وكانت غزة ضمن الإستراتيجية المقبلة، و عندما استعصى الأمر على تل أبيب في لبنان كان لا بد من إنهاء مشكلة صواريخ حماس لتأمين حدود إسرائيل الشمالية باعتبار ذلك من صميم الأمن القومي داخل هذا الكيان والذي تلتفّ حوله كل القوى السياسية تحت قبة الكنيست. هذا العدوان الحقير من أعتى جيش في المنطقة على "غيتو غزة" ليس فيه أي شكل من أشكال البطولة، فهذا الجيش الذي يجيد القتل وليس القتال يراهن ساسته على حرب عاجلة تحرق أشباح كتائب القسام لأنهم يعيشون وسط أهاليهم المطالبين بالاستجابة لأوامر هذا الجيش ليفروا من الجحيم ولكن إلى أين؟ ستصاب دول الاعتدال العربي بالخذلان من شعوبها ومن التاريخ، وستصاب بالحسرة بعدما تجاوزت حماس "الصدمة الأولى"، فالصبر عند الصدمة الأولى كما يقول نبيّ هذه الأمة محمد عليه الصلاة والسلام، وكلما طال أمد هذه الحرب ولم تتوقف المقاومة عن إطلاق صواريخها وأدى ذلك إلى وقف إطلاق النار ورفع الحصار وفتح المعابر سيفشل العدوان وستحقق حماس وباقي الفصائل في غزة نصرا سياسيا كبيرا بالرغم من حجم التضحيات والخسائر. ليس لغزة عام بعد هذا العام، فيوم الفصل حان بين تيار المقاومة والممانعة وتيار التخاذل والتسوية على حساب الحقوق والتحالف السري أو العلني مع واشنطن وتل أبيب. "إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجسيب القدر ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر" أبو القاسم الشابي