استجاب مئات الآلاف من الجزائريين، زوال أمس، بقوة وبأعداد لا مثيل لها لنداءات الأئمة والعلماء من أجل نصرة غزة في "جمعة الغضب"، ولم تأبه جموع الغاضبين للحظر المفروض على المسيرات بالعاصمة بل إن الإصرار كان كبيرا لدى المتظاهرين للتعبير عن تضامنهم مع سكان غزة بطريقتهم، فكانت المسيرة كبيرة وضخمة لم تشهدها العاصمة منذ سنوات، وقد تحقّقت هذه الرغبة بعد أن وجدت مصالح الأمن نفسها مضطرة لفسح الطريق أمام عشرات الآلاف من المواطنين الذين ساروا وجالوا في كل الاتجاهات وكلهم يرددون "الجيش.. الشعب معاك يا غزة". صنعت أغلب شوارع العاصمة، بعد زوال أمس، الحدث وهي التي لم تستوعب كل تلك الحشود من المواطنين من مختلف الأعمار الذين استجابوا بقوة لنداء "جمعة الغضب" للتعبير عن تضامنهم بطريقة سلمية مع مأساة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وحتى مصالح الأمن لم تتمكن من صد أمواج الغاضبين على الأنظمة العربية رغم التعزيزات الكبيرة، فالطوق الأمني لم يدم سوى ساعتين من الزمن لأنه سرعان ما تراجع في نهاية المطاف بعد أن كادت الأمور أن تعرف تجاوزات خطيرة بالنظر إلى إصرار عشرات الآلاف من الغاضبين على التظاهر. فمباشرة عقب أدائهم صلاة الجمعة هب مئات الآلاف من الجزائريين بالعاصمة مشكلين حشودا بشرية غير منقطعة وكلهم يرددون شعارات "فلسطين الشهداء.."، "الجيش، الشعب معاك يا غزة.."، "يا للعار يا للعار..غزة تحت النار".."يا أذناب اليهود افتحوا لنا الحدود"، كما لم تخل الهتافات أيضا من غضب شعبي واضح على الموقف الرسمي للأنظمة العربية، كما خص المتظاهرون جمهورية مصر ورئيسها بوابل من الشتائم، وسارت كل هذه الحشود عبر العديد من الشوارع والأزقة وضمت كل الفئات وكل الأعمار. تعزيزات أمنية استثنائية بالمساجد ومنذ الساعات الأولى لصباح أمس عزّزت مصالح الأمن تواجدها بقوة في مختلف شوارع العاصمة، كما كانت كبرى مساجد العاصمة أيضا محل طوق أمني غير مسبوق، حيث انتشر عناصر الأمن بالزيين المدني والرسمي تأهبا لأي محاولة للتجمع أو التجمهر خاصة بأحياء بلكور وباب الوادي وكذا ساحة الشهداء ومساجد أخرى بأعالي العاصمة، خاصة وأن أئمة المساجد ركزوا في خطب الجمعة على ضرورة نصرة غزة ولو بأضعف الإيمان لأنه لا يمكن الوقوف موقف المتفرج مع ما يحدث من تقتيل سفك لدماء المسلمين. ورغم كل هذه التدابير التي اتخذت إلا أنه ظهر واضحا منذ البداية أن مصالح الأمن لم تحسب حسابها بأن وفود الجزائريين المتضامنين مع غزة ستكون بتلك الأعداد الهائلة، فالعاصميون وغير العاصميين خرجوا بقوة بمختلف أعمارهم من المساجد وهم كلهم عزم على كسر الحظر المفروض على المسيرات، وكادت الأمور أن تتطور في كثير من الأحيان إلى مواجهات بين الشباب الغاضب وقوات الأمن التي تحكمت في الوضع بشكل جيد، لكن ذلك لم يدم طويلا لأن الإصرار لدى المتظاهرين كان أكثر مع مرور، وكان لهم ذلك عندما سار الآلاف عبر شارع ساحة الشهداء وصولا إلى شارع زيغوت يوسف المحاذي للواجهة البحرية وفي كل مرة تحاصرهم مصالح الأمن التي لم تجد من حل سوى استدعاء تعزيزات أمنية إضافية وقد وصلت إلى عين المكان 11 حافلة من قوات مكافحة الشغب لغلق الطريق أمام المتظاهرين. ورغم كل تلك التعزيزات وبعد أن أدركت مصالح الأمن أنه من الصعب التحكم في الوضع غامرت الجموع بالسير نجو الأمام وسط بعض المناوشات، لتتطور الأمور في حدود الساعة الثالثة والربع زوالا بشارع عسلة حسين المحاذي لمقري المجلس الشعبي الوطني وولاية الجزائر واضطر حينها بعض المتظاهرون الذين حاصروا قوات مكافحة الشعب إلى استعمال الحجارة لإخلاء الطريق وهو ما قابلته "الهراوات" حيث سجل سقوط العديد من الجرحى من الجانبين. وفي الوقت الذي كان فيه الجميع ينتظر أن يتفرق المتظاهرون فاجأ عدد من الشباب قوات مكافحة الشغب وفتحوا الطريق لعشرات الآلاف القادمين من كل جهات العاصمة خاصة من حسين داي، بلكور وساحة أول ماي غربا وساحة الشهداء والقصبة وباب الوادي من الجهة الشرقية ليلتقي الجمعان أمام فندق السفير فوجدت مصالح الأمن نفسها محاصرة رغم أعدادها، وكان فعلا من الصعب التحكم في الوضع أمام تعالي الهتافات وتحمّس المتظاهرين للسير أمام الزغاريد التي كانت تدك المكان، والواقع أن أعوان الأمن حوصروا ولم يكن لهم خيار آخر سوى فسح الطريق. مسيرة سليمة.. المتظاهرون كسّروا الحظر وأمام تزايد عدد المتظاهرين القادمين من كل أحياء العاصمة في "جمعة الغضب" على مرأى كاميرات مصالح الأمن عبر طائرات الهيلكوبتر التي لم تتوقف عن مراقبة وسط العاصمة، واصل مئات الآلاف مسيرتهم بعد أن ازدادوا تنظيما متجهين نحو ساحة البريد المركزي وهناك التحقت الوفود تباعا على وقع هتافات "فلسطين الشهداء" وسارع الجميع دون مشاكل إلى غاية قصر الشعب حيث بدا أن هؤلاء مصرّين للوصول إلى سفارتي الولاياتالمتحدةالأمريكية ومصر، وهناك تجددت المواجهات لأن مصالح الأمن رفضت أن يواصل هؤلاء السير خوفا من وقوع تجاوزات وهو ما رفضه المتظاهرون الذين اضطروا مجددا إلى التفرّق وسط وقوع عدد معتبر من الجرحى بين الجانبين. وجدير بالإشارة إلى أن مصالح الأمن اعتقلت العديد من مؤطري المسيرة في بداية الأمر كما انتشرت عناصر الشرطة بالزي المدني في كل مكان، وقد بدا أن لا أحد يمكن أن يوقف الوفود المتزايدة من الشباب الغاضبين وحتى النساء والشيوخ للتعبير عن تضامن الشعب الجزائري مع سكان غزة، معبرين عن استعدادهم للتضحية ومطالبين بفتح المعابر لنجدتهم.. وإلى غاية ساعة متأخرة من يوم أمس فقد سار العاصميون جماعات جماعات وكسّروا الحظر وأفرغوا كل ما بجعبتهم في يوم صنع فيه الجزائريون الحدث.