رغم أن الجهات المسؤولة قد صادقت على قانون يحمي المسنين من تعدي أبنائهم بل و يعاقب أولئك الذين يرمون آباءهم و أمهاتهم في الشارع وديار العجزة، إلا أن هذا لم يردع الأبناء ولم يغير من الأمر شيئا بدليل ما تسجله مصالح الأمن والدرك الوطني من قضايا تتعلق في مجملها بمختلف أشكال العنف انطلاقا من الضرب و الجرح الى القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد ، ناهيك عن سوء المعاملة والإهانة والإهمال . صادق مجلس الحكومة العام المنصرم على المشروع التمهيدي للقانون المتعلق بحماية الأشخاص المسنين. ومن أهم أحكام هذا القانون إخضاع الأبناء العاقين الذين يقدمون على وضع أوليائهم في مراكز المسنين لأحكام قانون العقوبات المتعلقة بسوء معاملة الأصول. وتصل العقوبات التي حددها مشروع القانون الجديد إلى حد الحبس وتوقيع غرامات مالية متفاوتة القيمة، حسب الوضعية المالية للأبناء والطريقة التي تمت بها عملية التخلص . كما يحمل القانون إجراءات تحفيزية تشجع العائلات على استقبال المسنين في مقابل مبالغ مالية تدفعها ودعما تكفله الدولة للعائلات المستقبلة.وهو ما سيعطي للقضاء بتوقيع العقوبات التي تضمنها بالتفصيل على الأبناء الذين يسيئون معاملة والديهم تصل إلى حد الحبس من شهرين إلى سنتين . ويتضمن القانون على جانب آخر عقوبات تقضي بدفع غرامات مالية لمن يتجاوز أحكام قانون رعاية المسنين الذي يستند على قانون العقوبات في الجزء المتعلق بسوء معاملة الأصول أو ما تعلق بالتهرب من الإنفاق عليهم. كما يشمل بنودا تكفل حياة كريمة للمسن سواء من قبل الدولة أو أبنائهم أو من خلال استحداث صيغ جديدة تتعلق بتشجيع العائلات على استقبال المسنين وتوفير الرعاية لهم. أوضح لنا بعض المحامين أن عدد القضايا المتعلقة بالاعتداء على الأمهات و الأباء غير مرتفع، غير أنهم أبرزوا أن الأولياء لا يقاضون البنات بقدر ما يقاضون الأبناء ، حرصا على سمعتهم ، كما أن عدد القضايا المرفوعة من قبل الأمهات قليلة بالنظر لعدد القضايا المرفوعة من طرف الآباء وهذا حسبه لأن الأم حتى وهي مظلومة تغلب عاطفتها وحنانها و ترضى أن يقترف بها ما يقترف من اعتداء جسدي ولفظي حماية لأبنائهم من المحاكم والسجن . يذكر المحامون أن حقوق الوالدين كرسها قانون العقوبات في مادته 267 التي يقول أنه كل من أحدث عمدا جرحا أو ضربا بوالديه الشرعيين يعاقب بالحبس من خمس الى عشر سنوات غير أن ترسانة القوانين هذه تقابلها 3 ملايين مسن و29 مركز للشيخوخة موزعين عبر كامل التراب الوطني، يأوون أكثر من 1500 أب وأم ، أرقام مرجحة للارتفاع إذا ما أحصينا الأمهات اللاتي يعشن في الشارع و لم يجدن مكانا لهن، لا في بيتهن ولا في دار العجزة، كما يقابلها رقم فظيع يبعث على الدهشة وصل 137 وقيد في سجل وحدات الدرك الوطني خلال شهر جانفي من هذه السنة الجارية يتحدث عن قضايا الاعتداء على الأصول منها الأمهات، يعني ضربهن. أمهات يشترين رضى أبنائهن ، يقبلن أن يضربن وأن يتسولن،لكن أخريات يقبلن بالشارع و دار العجزة على العيش في ذل ومهانة داخل البيت الذي أسسنه و من قبل الأبناء الذين ترعرعوا في أحضانهن يوم كانوا صغارا لا يفقهون في أمور الشر شيئا. بعيدا عما تضمه ديار العجزة من أمهات وجدن أنفسهن فجأة غير مرغوب فيهن من طرف فلذات أكبادهن، وفقدن بين عشية وضحاها كل شيء ، فالمتجول في شوارع العاصمة وغيرها لا محالة سيلفت انتباهه العدد الهائل من أمهات يملأن على مدار أيام السنة الطرقات طولا وعرضا، من بداية النهار إلى بداية الليل، طلبا من المارة صدقة. أتسول حتى يرضى عني ابني الخالة فاطمة أم من بين آلاف الأمهات اللواتي خانهن الزمن تقول بنبرة حزن وألم " كلما سألني أحد عن الأسباب التي دفعت بها للخروج إلى الشارع والتجول من مكان إلى مكان إلا وشعرت أن أحشائي كلها تتقطع إربا إربا وأحس أني قد فقدت كل حواسي " لتضيف والدموع تترقرق من عينيها " الحمد لله على كل حال وعلى ما أصابني " تصمت الحاجة برهة لتمسح عينيها ثم تتابع حديثها " لقد قدر علي أن أخرج إلى الشارع و أتسول لأجل إرضاء رغبة ابني، الذي يرى أن وجودي معه لم تعد لوجودي معه أية فائدة " سألناها و هل ابنك يعلم أنك تتسولين ، تجيبنا الحاجة " لست أعلم أنا لم أخبره كما أني لا أتسول في المناطق القريبة من الحي ربما يعلم غير أنه يتظاهر بجهله حتى لا يشعر بالحرج". سألناها مرة أخرى ، ولكن هل يطلب منك النقود؟ وهل يسألك من أين تأتي بها ؟ ترد علينا الحاجة " نعم أعطيه كل أسبوع النقود و يسألني عن مصدرها فأخبره أن أحد أقاربي هو من أعطاني إياها " لتضيف " أنا لا أتسول يوميا ، بل ثلاث مرات في الأسبوع" مردفة " لقد سئمت الحياة ولم أعد أطيق العيش فيها أوالبقاء في بيت ابني الوحيد الذي ربيته ومنحته كل الرعاية والحنان والعطف بعد وفاة والده ". وتتابع الحاجة فاطمة "بعد وفاة والده رفضت أن أتزوج رجلا ثانيا حتى لا أدخل ابني في دوامة صراع مع رجل غريب وحتى لا أتسبب في تعاسة ابني ، فضلت أن أبقى بجانبه ورفضت الزواج مرة أخرى رغم انتقادات أهلي وأهل زوجي، اليوم وبعد أن أصبح رجلا نسي ما قدمته له وما ضحيت به لأجله رمى كل شيء في البحر ولم يعد يذكر في حياته إلا زوجته التي خدعتني ورأت أن وجودي معهم ينغص صفو حياتهم وأني لا أجدي نفعا سيما و أني لا أقبض أي منحة لم أقرر الخروج إلا بعد أن أصبحت أهان لدرجة لايمكن تصورها يصل لدرجة الضرب لذا قررت الخروج إلى الشارع لأجل التسول حتى" أغلق فم" زوجة ابني و تتركني أعيش بسلام في بيتها الذي كان في يوم من الأيام بيتي " وتضيف " لن أنس تلك الصفعة التي هوت على خدي لأني رفضت أن يأخذ ابنه إلى بيت جارتنا كوني موجودة وقادرة على حراسته". أبنائي الست رموا بي في دار العجزة أما الخالة وافية فقصتها تختلف عن قصة الحاجة فاطمة فهي أم لثلاثة ذكور و ثلاث إناث كلهم رفضوا وجودها معهم في البيت،أم مشردة لأن أبناءها وبناتها لا يرغبون فيها . وتسرد الحاجة وافية قصتها التي بدأت منذ أن دخلت إلى مستشفى الأمراض العصبية " ظننت أن أبنائي وبناتي سيرفعون من شأني من بعد وفاة أبيهم و سيتنافسون فيما بينهم لأجل إسعادي غير أن ظني خاب وما كنت أعتقده كان هباء " لتردف " بعد أن توفي زوجي تحولت في ليلة وضحاها لعبء ثقيل على كاهل كل أبنائي وبناتي و أصبحت شبه كرة قدم كل واحد منهم يرميها إلى حلبة الآخر ليتخلص منها وقد أشعرني سلوكهم بإحباط نفسي حاد حيث لم أتحمل سيما و أني كنت قد فقدت زوجي ولم أتخلص من الإحباط النفسي إلا عندما عولجت عند المختصيين النفسانيين " مضيفة " هناك بعد أن نقلت إلى المستشفى دريد حسين كانوا يزورنني من حين لآخر وبعض مضي أكثر من ستة أشهر لم يعد أحد يزورني و عندما شفيت رفضت أن أعود لبيت أحد منهم فأخذوني دون شفقة إلى دار العجزة ، ومكثت هناك شهر واحد و فررت منها إلى العاصمة". سألناها وهل بحثوا عنك " لا أعلم أنا قد تركت مدينة البليدة وجئت مباشرة إلى العاصمة عمدا حتى لا يجدني أحد منهم فقد مللت منهم ولم أعد أشعر أني ولدت في يوم من الأيام أطفالا ، أنا اليوم ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر أعيش في الشارع أتسكع الطرقات نهارا و أمد يد لكل الناس عساني أحظى بدنانير أسد رمقي وأبلل عطشي بها و أنا في الليل داخل العمارات". يقتل أمه لأنه كانت تنصحه بالابتعاد عن المخدرات جريمة فظيعة هزت حي بئر خادم بعد أن أقدم الشاب ( س، ر) على قتل والدته لأنها كانت على الدوام تؤنبه و تطالبه أن يعود لصواب الطريق و الابتعاد عن المخدرات حسب ما أكدت لنا أخته التي التقيناها يوم المحاكمة، بوجه يبعث على الحزن وقلب يتقطع على مفارقة أعز ما لديها بهذه الطريقة، ومثلما قالت لنا " فإنها لا يهمها بعد أن فقدت أمها المهم ان يعاقب الجاني عقابا عسيرا" أما بالنسبة للجاني فلم يظهر عليه أي ندم بل على العكس كان يتوعد شقيقته بالانتقام منها بعد خروجه من السجن لكن من سوء حظه ان هيئة المحكمة قضت بالسجن المؤبد في حقه