انتقد الدكتور كاظم العبودي الشروط الفرنسية لتعويض ضحايا تجاربها النووية في الصحراء الجزائرية، واصفا في هذا الحوار الذي خص به "صوت الأحرار" مبلغ ال 10 ملايين أورو الذي تنوي فرنسا منحه للضحايا الجزائريين بصدقة الجلادين، حيث أوضح أن قائمة الإحصاء لا تتوقف على 500 شخص الذين تحدثت عنهم الداخلية الفرنسية ولا عند عام 1967 كما تزعم، كما أشار إلى أن هذه الأخيرة تناست عن قصد وحقد مصير البقية الباقية في محاولة لدفن أكبر ملف إجرامي لها وبكلفة أقل ما يقال عنها أنها مشروع استغفال للبشرية وللضحايا. *أٌحيل على البرلمان الفرنسي مؤخرا، مسألة تعويض الحكومة الفرنسية لضحايا التجارب النووية في الجزائر، فما رأيكم في ذلك؟ بمعنى ، هل فرنسا جادة في طرح هذا الملف أم أن مناقشة البرلمان لهذه المسألة كان مجرد مراوغة ؟. لم يناقش البرلمان الفرنسي بعد الصيغة الأخيرة والنهائية التي اقترحها وزير الدفاع الفرنسي على مجلس الوزراء منذ أسبوعين مطالبا بالإسراع بفتح الملف وإنهائه في وقت واحد، أي الشروع بقضية التعويضات قبل نهاية 2009 وبشروط لا ترحم أحدا ولا تنصف متضررا. هذه القضية مازالت غامضة الأهداف والمرامي، خصوصا في توقيتها وطريقة طرحها، فهي قضية شائكة ومثار جدل واسع بين المعنيين بها، لقد بدأ الموضوع يتحرك منذ نوفمبر الماضي عندما رفعت نائبة برلمانية فرنسية مذكرة بهذا الخصوص حظيت بموافقة 60 نائبا آخرين مطالبين الحكومة الفرنسية لتعويض ضحايا التجارب النووية، وخصوصا أفراد القوات العسكرية ومنتسبي مفوضية الطاقة النووية الفرنسية وسكان جزر بولينيزيا وجزر المحيط الهادي وفي آخر القائمة ورد ذكر الجزائريين من سكان الصحراء وخاصة في مناطق رقان وعين ايكر. ولم يكن هذا الإلحاح إلا بفضل نشاط خاضه منذ سنين أعضاء منظمة قدماء الحرب النووية في الصحراء ومعهم أفراد من العاملين في الطاقة النووية الفرنسية. إن كفاح منظمة AVEN وغيرها هي التي أجبرت وزارة الدفاع على الالتفات لهذا الملف النووي المنسي والذي يتم تجاهله عن عمد وإصرار لأنه سيورط الحكومة الفرنسية ووزارة الدفاع على الاعتراف بالمسؤولية القانونية والأخلاقية لكل الدمار الشامل الذي تركه أصحاب المشروع النووي الفرنسي العسكري على مدى 40 عاما أي منذ تأسيس القاعدة النووية في رقان 1956 إلى آخر تفجير نووي فرنسي في المحيط الهادي 1996. إن التفجيرات شملت مساحات واسعة من أراضي الجزائر والمحيط الهادي تم فيها تفجير 210 تفجيرا نوويا وهيدروجينيا معلنا رسميا بدأ التفجير الأول في رقان يوم 13 فيفري 1960 بطاقة 60 كيلو طن بأربعة أضعاف هيروشيما واستمرت التفجيرات طوال عام1960/1961 برقان باستكماله بثلاث تفجيرات نووية واسعة النطاق وصلت مديات قارية وكانت كلها تحت إشراف عسكري مباشر ، وبذلك لا يمكن اعتبار تفجيرات الجزائر السطحية والباطنية التي بلغت 17 تفجيرا رسميا (هناك عشرات التجارب الأخرى بطاقات اقل ومنها عالية تمت تحت الأرض والسطح لم يعترف بها أو الإعلان عنها حتى اللحظة ) إلا أنها تتكامل ضمن مشروع عسكري لا يمكن إطلاق تسمية تجارب على تفجيراته التي فاقت حدود المعقول . الفرنسيون يعتقدون أن الظرف السياسي والدولي ربما يساعدهم على دفن أكبر ملف إجرامي وبكلفة أقل ما يقال عنها لا شئ سيعوض مئات الألوف من البشر وملايين الكائنات التي مسها الإشعاع، إن المشروع الفرنسي في ذهن أصحابه هو مشروع استغفال للبشرية وللضحايا يطرح بخطاب إنساني لا يخفي ضخامة الجرم ويحاول إعفاء المجرمين من مسؤولية الخراب الشامل في الصحراء والمحيط الهادي لما سببه من كوارث وأضرار لا يمكن إصلاحها إلى قرون قادمة، وفرنسا تعرف أنها ليست جادة وعلينا أن لا نتغافل عن النوايا المبيتة لمثل هذا الاستغفال الفرنسي ومراميه ومقاصده وأهدافه القريبة والبعيدة. * هل تعتقدون أنه يجب على الحكومة الجزائرية أن تبذل مزيدا من الجهود في الضغط على فرنسا لافتكاك التعويض؟ من الخرافة بمكان أن يفكر إنسان عاقل في تعريف مناسب لكلمة تعويض، التعويض لمن ؟ وكم؟ وإلى متى ؟ هل تقدر قيمته باليورو أم بقيمة الحياة الإنسانية وحجم الآلام لملايين البشر؟ كل الحقائق والوثائق موجودة على الأرض الجزائرية تكشف هول المأساة وحجم الجحيم النووي ومن حقنا أن نضغط بكل الوسائل الممكنة وليس العام 2009 الذي حدده وزير الدفاع الفرنسي هو خاتمة الآلام للضحايا ولا يغلق آخر قبر بل هو باب مفتوح لمقبرة جماعية يموت فيها البشر بصمت مريب بشر من ثلاث أجيال منهم من عاصروا وعايشوا وشاهدوا التجارب ومنهم من ورثوا أمراض والديهم ومنهم من نقلت له الطواقم الوراثية للجينوم والكروموسومات خرائط وراثية تحمل أجيالا من السرطانات والتشوهات الخلقية والأمراض التي لا شفاء لها ولهذا فإن قائمة الإحصاء لا تتوقف على رغبة الناطقين باسم هذا الملف من الفرنسيين الذين وضعوا لنا عددا بحدود 500 شخصا وسنة بحدود 1967 وتناسوا عن غباء وعن قصد وحقد ولؤم مصير البقية الباقية من توابيت الموت النووي المحتوم. * هل تعتقدون أن الجزائر ستحصل على اعتذار وتعويض فرنسي حول هذه القضية في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي؟ إنهم بالأمس القريب قالوها بعظمة لسانهم أن لا اعتذار للجزائر أو غيرها، هي مكابرة المجرم الذي لا يرى في سحق الآخرين إلا مجدا له، وهم لا يعتذرون لأن العنجهية النووية التي ملكتهم بها الأقدار لكي يكونوا دولة عظمى لها الصوت الأعلى ، أي "حق الفيتو حتى على صراخ الألم ومنع الناس من الشكوى لغير الله" وللإنسانية فلا ساركوزي ولا من سبقوه سيقولها لأن المؤسسة "الديمقراطية" الوحيدة التي تتكلم عن التعويضات هو "الجيش"وجنرالاته فأي مفهوم لحقوق الإنسان هو ملهاة في القاموس العسكري. * أفادت وزارة الدفاع الفرنسية أن 500 جزائري فقط معنيون بالتعويض في قضية التجارب النووية الفرنسية بالصحراء الجزائرية، على الرغم من أن الجميع يعرف الآثار طويلة المدى للإشعاع النووي التي تمتد لسنوات طويلة، ألا ترون أن تحديد هذا العدد مجحف في حق الضحايا الجزائريين؟ . أتحدى أكبر الخبراء النوويين في فرنسا والعالم أن يقول لي من أي معيار يتم به حجم الضرر وتقدير الأضرار وعدد الضحايا، إن رقان القرية والمعسكر والمطار العسكري ليلة 13 فيفري 1960 كانت تضم قرابة 27 ألف إنسان إضافة إلى 10 آلاف جزائري من سكان ما يقارب 160 قصرا وواحة كانوا لحظتها تحت مظلة الإشعاع النووي، بشر علقوا على صدورهم أفلام التحسس الإشعاعي وقالوا لهم أنها تمائم ستحميهم. أي منصف سيقول لنا كم من البشر قد تعرضوا إلى الإشعاع المباشر لغيوم نووية تحركت من منطقة توات إلى الجنوب الشرقي حتى وصلت إلى نجامينا بحدود 12 يوما، كم من البشر سيكون مصيرهم الموت والأمراض للسقط النووي والمواد المشعة التي ملئت سماء الكرة الأرضية من اليابان وحتى غرب المحيط الأطلسي والى جنوب أفريقيا، لماذا وقفت كل الكرة الأرضية تطالب فرنسا إيقاف سلسلة تفجيراتها عام 1960 إذا كان الضحايا هم بحدود ضحايا الطرق في يوم واحد. فكيف لو حسبنا الخسائر المباشرة من 1960 إلى 1966. أما مئات الألوف ممن عاشوا في المنطقة أو قطعوا البوادي المشعة بحدود نصف قرن فهل سيختزلون إلى 500 شخص فقط، لنترك للعالم والهيئات الدولية ذ تقارن الحقائق التي يتداولها الإعلام الفرنسي في حادثة واحدة للمقارنة هي حادثة تشرنوبيل وجحيم رقان وعين ايكر، إن حدود التأثيرات الإشعاعية يعرفها علماء البيولوجيا الإشعاعية ستمتد إلى الإنسان والأجيال إلى يوم يبعثون. هل ستجيب المؤسسة العسكرية الفرنسية عن أية حالة إجهاض أو ولادة مبكرة أو تشوه خلقي أو سرطانات الجيل الثاني والثالث التي يعرفها أطباء المؤسسة العسكرية جيدا كيف سيصنفون وكيف سيحاسبون هل هم ضحايا أم مرضوا بالصدفة. * باعتباركم مختصا في هذا المجال، ما هي تأثيرات هذه التجارب النووية على الإنسان والبيئة؟ كل مكونات البيئة والحياة تشوهت ودمرت بفعل الإشعاع ولا يمكن حصرها في إجابة الأرقام التي نشرناها في دراساتنا ومقالاتنا تجيب أنها الكارثة غير المتوقفة بزمن أو حدود مكان. * خصصت الحكومة الفرنسية مبلغ 10 ملايين أورو لتعويض الجزائريين عن جرائمها النووية، فهل هذا المبلغ كاف بالنظر إلى عدد التجارب الذي يصل إلى 210 تجربة وإلى حجم الدمار الذي خلفته؟ هم خصصوا 400 مليون يورو لكل ضحاياهم من الجزائر إلى باريس إلى بولونيزيا ولمدة 36 عاما. وللبؤساء الجزائريين 10 ملايين يورو هي صدقة الجلادين النووين. سنرفضها لا لبخس قيمتها ؛ بل رفضا لمبدأ احترامنا لقيمة الحياة الإنسانية أولا ومقارنة بما تصرفه الدولة الجزائرية على مرضى السرطانات في الساورة والواحات وأخيرا كم كانت تساوي أرواحنا مقابل أرواح ضحايا طائرة لوكربي. اسمحوا لي أن أقول إنها بصقة غير مؤدبة على وجوهنا إن قبلنا هذا الاستهتار ولنحاكمهم بالقرائن العلمية وليتحدث أصحاب الاختصاص وسنقبل التحكيم أما وزير الدفاع الفرنسي فليحتفل بتوفير 10 ملايين أورو له لغلق الملف بالطريقة التي يريدها لنفسه. لو أجرينا مقارنة بسيطة بين التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية واستعمال الأسلحة المحرمة دوليا في العراق وفلسطين، فما أوجه الشبه و الاختلاف بينها؟ هي نفس المأساة وبطريقة أخرى نفس السلاح القاتل الإشعاع المؤين مئات الأطنان من اليورانيوم المنضب هناك في العراق وآلاف الأطنان من النفايات هنا في الجزائر. ضحايا اليورانيوم المنضب خلال قرابة 18 سنة بلغ المليون وبعدهم جيل آخر لازال تعداد أرقام السرطان والتشوهات الخلقية والبيئة المخربة إلى 24 ألف سنة عمر اليورانيوم هي طبعة حضارة فرنسا على ارض الصحراء وطبعة الولاياتالمتحدة على ارض العراق.