مثلما هو الحال بالنسبة للجماعات الأدبية عبر التاريخ والتي كانت لها بصماتها في التاريخ العربي والعالمي، على غرار جماعة الديوان أو جماعة أبوللو، أو حتى تلك الاتجاهات والمذاهب التي أسس لها أفراد جمعتهم هموم ومشاغل تمس الكتابة وأساليبها وطرائق التعبير مثل السريالية والواقعية•• إن خطورة ظاهرة الشللية الأدبية في الجزائر تكمن في كونها ترتبط بحقل من المفترض أن يكون بمنأى عن كل الممارسات التي من شأنها أن تتنافى مع قيم الانفتاح والتعدد وحق الاختلاف وحوار الأفكار ، بالنظر إلى كونها تصدر عن كتاب ومثقفين يفترض أن يكونوا منتجين للأفكار والإبداع لا غير، ومصدرا لقيم الحق والخير والجمال. ظاهرة الشللية، التي هي وليدة الحقل السياسي المتسم بصراع الجماعات والعصب على المصالح والمكاسب، قد اتخذت أشكالا غير أخلاقية أكثر خسة ودونية، وأخذت منحى أخطر مما هو عليه في السياسة لأنها أصبحت تعتمد على أساليب الإقصاء والتغييب والتهميش في حق فاعلين ثقافيين، ذنبهم أنهم لا يحسنون المناورة ولم تلوثهم قذارات النفاق الذي يطغى على ساحتنا• والأشد خطرا في كل هذه الظاهرة أنه صار لكل شلة من الشلل منبرا إعلاميا أو صحيفة تروج لأفكارها وتدافع فيه عن مصالحها، تحلل فيه لنفسها ما تحرمه على غيرها• في الوقت الذي يفترض أن تعامل هذه المنابر والصحف الجميع على قدم المساواة، ولا تحكمها غير معايير الإبداع والكفاءة• لقد أصبحت هناك ملاحق ثقافية وأدبية يرتبط كل منها بشلة من الشلل، ولا تتعدى الكتابة فيها بعض الأفراد والكتاب الدائمين، ولذلك وقعت في التكرار والنمطية وحرمت نفسها وقراءها من تنوع التجارب وتعدد الآراء• ذلك أنها أصبحت حكرا على كتاب معينين، وأقلام بعينها لا يجب أن تحيد عن تقديم فروض الولاء والطاعة، وما هو مرسوم لها من مسارات وعلامات حمراء على الطريق• وأصبحنا نسمع عن ملتقيات يدعى لها دخلاء على الكتابة وأشباه كتاب، لا نعرف لهم اسما ولا صلة بالثقافة•. يدعون لهذه الملتقيات ليس لاعتبارات أدبية وإنما لاعتبارات أخرى مفضوحة كالجهوية والمجاملة وتبادل الدعوات عملا بالمثل الشعبي "حك لي انحكلك"، بل إن هناك من يوجهون الدعوات لخليلاتهم ويصرفون عليهن أموال الكتاب بدون وجه حق• حتى الشبكة العنكبوتية التي لا تعترف بالحدود، والتي يفترض أن تكون عامل جمع وتقريب للمسافات والإبداعات صارت مجالا خصبا لتفريغ الأحقاد وتصفية الحسابات، وهناك من المواقع والمنتديات من لا تستطيع أي كاتب أن يخترقه أو يساهم فيه إلا إذا كان منتميا للشلة إياها، وإذا حدث وسمح له بالمساهمة فإنه سيكون نشازا وسيجد نفسه صفرا على الهامش أو عرضة للنقد والتسفيه• كل هذه المظاهر المشينة للشللية المبنية على العصبية التي ليست لها صلة بالأدب والفكر والثقافة.. تنذر بالعودة إلى قبلية جاهلية من نوع جديد، تحيل على تفكير و سلوك غير حضاري، تضيّق من أفق الإبداع وتحصره في أضيق الحدود في زمن القرية الكونية•