عاشورا لحم يعود بنا النص إلى العام 1956 بداية المد الثوري حيث قام فدائيون من أولاد بلا س دارم (ساحة السلاح/ قصبة عنابة) باغتيال صاحب حانة يهودي وجندي فرنسي وقابل هذي العملية انتقام المعمرين و الجنود من الأهالي، و ذلك عشية الاحتفال بعاشوراء فكانت مجزرة رهيبة عرفت ب"عاشورا لحم" لكن هذا زاد في عزيمة الفدائيين الذين قاموا بمحاولة كادت تكون ناجحة لاغتيال الجنرال بيجار الذي صعد المواجهة من خلال الحصار والاعتقال والتعذيب الأمر الذي جعل الثوار يخططون لعملية فدائية كبيرة استهدفت احتفالا شعبيا للفرنسيين بساحة بريطانيا (ساحة الثورة اليوم) هز الإدارة الكولونيالية، ومن جهة أخرى رسخ روح الثورة و المقاومة. وطنية محلية المسرحية ترتكز على ذاكرة عنابة الثورية، على سلسلة الأحداث في ترابطها وتسلسلها دون إضافات فنية أو لمسات درامية تذكر، إنما اكتفت بعرض كرونولوجي من الخارج لا يدخل في صميم اللحظة التاريخية و لا يلمس حقيقة الثورة و لا يلمس حيوية الشخوص ( وهو الأهم )، بل تم تقديم المادة التاريخية في مجرد سرد سريع مختزل أخل بوظيفة الاستذكار و وظيفة المسرح مما أفضى إلى شكل مسرحي بلا مسرحية، شكل مفرغ من معناه. لقد صرفت ( 400 م. س) على عمل مسرحي به ديكور واحد بسيط يمثل القصبة يستمر عبر كل مشاهد المسرحية على تنوعها، وعلى ملابس عادية وعلى الموسيقى والمؤثرات الصوتية، وعلى فيلم تسجيلي قصير. بمعنى آخر إن جهد المسرحية كله تركز على العمل التقني ( على بساطته ) و هذا يعطي الانطباع بأن المسرحية كان في الإمكان أن تستغني عن كل هذا وتنجح من خلال خشبة وممثلين فقط. إن هذا الفائض الشكلي أثر سلبا على المضمون الذي كان يعاني الضغط و التقلص في سبيل أن يحشر المخرج رؤيته التقنية في الخشبة. الذاكرة والخبال تبدأ المسرحية بلوحة غنائية راقصة (موسيقى الراب) تمثل شبابا يصورون " فيديو كليب" ببلاس دارم، ثم يدخل رجل شيخ ( الممثل عبد الحق بن معروف) باندفاع و تذمر ليوقف التصوير ويعنفهم مذكرا إياهم بعظمة بلاس دارم وعظمة رجاله وعظمة القيم التي سادت أيام الثورة ( مع أن تصوير كليب بالمنطقة يعتبر سيميوطيقيا عناية بها وإحياء لها ! ) .. فيقرر الجميع استعادة الذاكرة ! كيف ؟ هنا كان لابد أن يبدأ اجتهاد المسرحية ! والعاملين على المسرحية ! إذ هنا تبدأ مجموعة الأسئلة الضرورية لمزاوجة التاريخ بالفن . الأسئلة المحرجة العويصة التي لا ترحم، والتي يجب التعامل معها بروية وحكمة بعيدا عن الارتجال والوهم. إن نقل التاريخ إلى الخشبة ليس بالأمر الهين، قد لا تكفيه تجربة حميد قوري (كاتب النص) وجمال مرير(المخرج) ربما لهذا السبب اصطدم الفنانان إذ اتهم الكاتب المخرج بتشويه نصه، ما اضطر هذا الأخير إلى ابتكار مصطلح تقني عجيب اسماه (الإخراج وتعديل النص ). وفي نهاية الأمر فإن صدام الفنانين يعكس في المقابل تعثر هذي التجربة و يؤكد صعوبة تحقيق معادلة قطباها( فن/ تاريخ) خاصة إذا تم توظيفها وفق منطق تجاري ( يهدف إلى استقطاب جمهور يريد الضحك ويحب الراب والرقص )أو منطق وعظي تلقيني يستخف بعقل المتفرج أو منطق شعبوي ( يرمي إلى الاستثارة والحماسة ) عبر إسقاطات على الحاضر مجانية بغية تمرير صورة الرئيس وهو يخطب ضد تمجيد الاستعمار في نهاية المسرحية. النص فضح هشاشته منذ البدء حينما اختار الكاتب أن تكون للقصة راو( هو في الأصل شاهد ) فقد هويته ومنطقه، إذ أصبح مجرد مدرس تاريخ لا يتردد مطلقا في الجهر بالعبر و تلقين الموعظة المستقاة منه.. مما أغرق اللحظة التاريخية في الوصف الخارجي و الترديد المجاني بدل الحفر و التحليل والتركيب الفني. حتى أن الممثل بلمعروف بدا متكلفا لم يستطع اللباس و لا المايكآب أن يجعلا منه شيخا. فظل يتراوح بين شخصية المدرس والقوم أي الفتوة . أما الإخراج فكان كل همه منصبا في الأشكال التعبيرية، كيف يقدم مسرحية فيها فن الاستعراض وفيها فن الحكي وفيها العرض السينمائي! حتى أنه نسي ضرورة أن يمرر خيطا فنيا يشد الواحدة إلى الأخرى ويجعلها تكمل بعضها بعضا حتى لا تظل كما هو الحال وحدات مفصولة متتابعة تشيع التفكك في العمل الفني إذ كل شكل تعبيري يعيد ما طرحه الشكل السابق ، فما يرويه البطل الراوي للمتفرج نسمعه بحذافيره في الأغنية ثم نراه تمثيلا ثم نشاهده في تصريحات الشهود الحقيقيين عبر الفيلم التسجيلي !؟ لا جديد ،لا إضافة، لا خصوصية تطبع هذه الأشكال التعبيرية التي ظلت مجرد قوالب فارغة . فقد تحللت القصة من خلال تكرارها وضاعت في هذه الأشكال. وما اعتبره المخرج إضافة نوعية للعمل المسرحي ( استعراض/ سينما ) أصبح من فرط الإلحاح فيه هو الأصل بينما صار التاريخ / القصة / المضمون عنصرا إضافيا لا غير. × المسرحية إنتاج مسرح عنابة كتبها حميد قوري وأخرجها للخشبة جمال مرير.