لم تمر سوى ساعات قليلة عن الحادث الأليم لاغتيال الجمركيين، الذين نجا منهم أربعة تمكنوا من الفرار على متن سياراتهم، لتصل قوات الجيش الوطني الشعبي إلى عين المكان وتحاصر إرهابيي كتائب الصحراء الذين كانوا أوقعوا أفراد الجمارك في كمين، واغتالوا 14 منهم، بشكل جعل عناصرها يختفون بين الفجوج وما يشبه الجحور كالجرذان، لا يمكن تمييزهم عن الصخور المحيطة بهم نظرا للون لباسهم الأفغاني المطابق للون التربة والحجارة، وهو هو ما يظهر جليا في الشريط المسجل الذي تحوز ''الفجر'' نسخة منه• بعد ساعات من ''استئساد'' أزيد من 35 إرهابيا من كتائب الصحراء وكتائب الشمال على 18 جمركيا، اغتيل 14 منهم في كمين غادر ونجا البقية، جاءت قوات الجيش وحاصرت المجموعة الإرهابية التي كانت على وشك الانتهاء من أكبر عملية نقل للأسلحة من موريتانيا باتجاه معاقل ''الجماعة السلفية للدعوة والقتال'' في شمال البلاد• وفي تلك الأثناء انقسمت مجموعة الارهابيين إلى مجموعات اختفى عناصر كل واحدة في فجوج ومجاري صخرية لونها نفسه لون ثياب هؤلاء الإرهابيين، مما يصعب تمييزهم من بعيد، بينما تحصّن أمراء تلك الكتائب بقيادة الارهابي''أبو زيد عبد الحميد'' واثنيين من أمراء كتيبتي باتنة بالمنطقة الخامسة، وكتيبة بوكحيل، وتركوا مهمة مواجهة قوات الجيش لأتباعهم، مكتفين بإعطاء التعليمات عن طريق جهاز اتصال لاسلكي كان يحمله الإرهابي ''عبد الحميد''، وهو الإرهابي الذي كثيرا ما تظهر صوره مع السياح المختطفين في الصحراء على مواقع تنظيم ''القاعدة''• أبطال في الغدر، جبناء في المواجهة هذا الإرهابي كان يردد أسماء المكلفين بمواجهة حصار الجيش الجوي والبري لهم من خلال آليات ومدرعات، كانت تتقدم بالتوازي مع المروحيات التي كانت تسندها وتوجهها إلى مكان اختفاء عناصر المجموعة الإرهابية• وخلال تلك الأثناء بادر عناصر المجموعة الإرهابية المكلفة بالاشتباك وبتعليمات من الأمير ''عبد الحميد'' إلى إطلاق النار على قوات الجيش، لكن دون أن تصيبها، وظلت على هذا الحال رعبا من المصير الذي سيلحق بهم• وكانت معظم طلقاتهم - مثلما جاء في الشريط المسجل - في الهواء، لم يصب عيار منها آليات الجيش البرية والجوية، بل، وحسب ما ظهر، فإنهم استنفذوا ذخيرتهم في طلقات عشوائية ناتجة عن درجة من الرعب• وتحاشى الإرهابي الذي كان يحمل جهاز ''الكاميسكوب'' أن يصور الإرهابيين وهم مختفون، واكتفى بتصوير أميرهم، وهو يتكلم من مكان بعيد جدا عن مسرح المواجهة، ويردد عبارات تشجيعية لأتباعه، في حين وبمجرد إحساسه باقتراب قوات الجيش اختفى، ورمى المصور الكاميرا ولم يسمع سوى صيحات ولهيث، والطلقات النارية المسددة صوبه• وكان أمراء تلك الكتائب بعيدين عن مسرح المواجهة، وانحصرت مهامهم في إعطاء التعليمات لباقي أتباعهم بالقصف عن طريق ''الروكات'' أو''الآر بي جي''• وكان أمير العملية يردد أسماء بعض ممن يعتمد عليهم في تلك المواجهة، مثل ''أبو دجانة''، ''مصعب''، ''باديس''، ''حذيفة'' وغيرهم، وهؤلاء من أخطر إرهابيي المجموعة، أكثر دموية، وكان من بينهم حسب الأصوات التي تعالت عندما بلغ الرعب مبلغه، صوت أحد العناصر الإرهابية بلهجة عاصمية، مما يوحي أنه يكون قادما من كتائب التنظيم الإرهابي في الشمال• في هذه الأثناء اقتربت المروحيات والآليات التي دفعت المجموعة الإرهابية إلى استنفاذ شحنة أسلحتها في الفراغ من خلال طلقات عشوائية باتجاه الآيات البرية والمروحيات التي كانت بعيدا بشكل لا يمكن أن تصلها الطلقات، بينما كانت تسديدات القصف المروحي بين الحين والآخر تجعل الإرهابيين يتوقفون عن الكلام ولا تسمع سوى صوت القذائف الموجهة إليهم• وبدا الخوف والرعب على وجوه العناصر الإرهابية، الذين بمجرد اختفاء المروحيات يحمدون الله لثوان، لكن هدير محركاتها الموحي بقدومها يرجعهم إلى نفس حالة الذعر• وخلال تلك الأثناء يحاول أمير المجموعة - حسب الشريط - طمأنة عناصره، عن طريق الجهاز اللاسلكي بترديد عبارات تحريضية لا تسمن ولا تغني الإرهابيين بمجرد اقتراب الآليات العسكرية• واللافت للانتباه أن صاحب التعليمات كان متخفيا، يتابع عن بعد دون أن يحمل السلاح تاركا أتباعه يواجهون أسوأ مصير، لخّصه إرهابيون مقبوض عليهم، وأيضا تائبون، في أنهم ماتوا شر ميتة وانتكاسة أفقدتهم عددا كبيرا من عناصرهم، وتخلوا عن سيارات بها كميات معتبرة من الأسلحة والذخيرة، دمّر واسترجع الجيش عددا منها• وبعد أن سكن الرعب والتعب أوساط المجموعة الإرهابية شرعت المروحيات في القصف الجوي، وتزامن ذلك بقصف بري من الآليات واستعملت فيها قوات الجيش مختلف الأسلحة الثقيلة من خلال ما سمع من طلقات باتجاه الإرهابيين، الذين وبمجرد إحساسهم باقتراب الجيش منهم يتحوّلون إلى ما يشبه الفئران الفارة بين الفجوج والصخور• ومن شدة الخوف، وبتأثير المخدرات، فإنهم كانوا يحاولون إبداء شجاعة فيما بينهم، لكن خلال اللحظات التي يتوقف فيها قصف الجيش فقط• إذ وبمجرد تقدم القوات برا وجوا يبدأ الإرهابيون في إطلاق النار في وجهات عديدة من وراء الصخور دون إظهار رؤوسهم وبالتالي دون إصابة الهدف• وبالمقابل شرعت قوات الجيش - مثلما جاء في شريط الفيديو- في الانتشار بمحيط المجموعات بشكل جعل الإرهابيين يتساءلون عن مكان تواجد عناصر الجيش• في تلك الأثناء بدأت سلسة الطلقات النارية لعناصر الجيش ليتوقف تصوير المشاهد، واستمر تسجيل الصوت الذي لم يسمع فيه سوى للطلقات النارية لمختلف أنواع الأسلحة ثم انقطع بشكل نهائي• وشرع في استئناف التصوير لمقطع غير متسلسل مع آخر مشهد مصور ظهر فيه الإرهابي ''عبد الحميد''، وهو يحاول إقناع من تبقى من عناصر مجموعته بأنهم استطاعوا صد الهجوم، في حين أنه وبعد أن كان عدد سياراتهم ال 15 سيارة، بما فيها سيارات الجمارك المسلوبة بعد الاعتداء الجبان، لم يبق منها سوى ست سيارات ''ستايشن'' متوجيهن بشكل يوحي أنهم في خالة فرار ليتوقف التصوير• ''أبو زينب الموريتاني'' انتحاري الأخضرية أحد الناجين الفارين إلى بوكحيل حرص أمراء الكتائب وقائد العملية أمير كتيبة ''طارق بن زياد '' المكنى'' عبد الحميد أبو زيد'' وبتعليمات من الأمير الوطني للتنظيم الارهابي المسمى ''الجماعة السلفية للدعوة والقتال'' على أن لا يتعرض الإرهابي ''أبو زينب الموريتاني'' إلى الإصابة والقتل، بدليل أنه لم يبرح المكان الذي كان يختفي فيه مع أحد أمراء كتيبة بوكحيل وأمير كتيبة ''طارق بن زياد'' اللذان كانا يقدمان التعليمات فقط، وكان ذلك لأنه أوصي به خيرا لما هو مرشح للقيام به من عمل انتحاري في الشمال، وبالفعل كان الانتحاري من بين الناجين من ضربات الجيش• ووصل العدد المتبقي من عناصر المجموعة الإرهابية في نهاية المطاف بعد عدة أسابيع في عمق الصحراء إلى بوكحيل في ولاية الجلفة، بالاستناد إلى ما يرويه تائبون وإرهابيون في اعترافاتهم لمصالح الأمن، وكان من بينهم الانتحاري ''أبو زينب الموريتاني'' الذي حظي خلال إقامته في جبل بوكجيل بين عناصر الكتيبة بمعاملة خاصة، فهو معفى بأمر من الأمير يقوم بأية مهمة وانحصر مجهوده على إجراء تدريبات أولية هناك خلال المدة التي قضاها في تلك المرتفعات استعدادا للتنقل الى العاصمة • الفضيل: رجل ثقة دروكدال مكلف بالاعتناء ب''الموريتاني'' وكان خلال تلك الفترة - حسب ما رواه تائبون - أميرا غير معلن، وكان المكلف بالاعتناء به البار محمد المكنى ''الفضيل''، وهو رجل الثقة لدروكدال في كتيبة بوكحيل، وتآمر عليها في فترة سابقة وكان ينقل الرسائل بينه وبين الأمير الوطني بشكل دائم، مضامينها تعزيز إرادته في تنفيذ عملية انتحارية ينال بها ''الشهادة'' وتشبّع الإرهابي أكثر مما مضى بالفكرة• ويذكر أنه بعد وصول الانتحاري إلى جبال بوكحيل بداية 2006 و مغادرته لها نهاية 2007 إلى معاقل الإمارة الوطنية للجماعة السلفية، كان قبل ذلك قد تنقل وأقام بمعاقل بعض كتائب المنطقة الخامسة والتاسعة مع المجموعة الفارة التي لجأت الى ذلك خشية أن تكون قوات الجيش تتبعها، فحاولت تضليل وجهتها قبل النزول ببوكحيل، وجابت عدة مناطق و معابر وعرة في الصحراء قبل النزول ببوكحيل مكان انتهاء المهمة، وقد تم ذلك بأمر من أمير المنطقة التاسعة مختار بلمختار المكنى ''أبو العباس'' الذي أمرهم بالتضليل على هذا النحو والانقسام إلى أكثر من مجموعة• تلقى الانتحاري'' أبو زينب الموريتاني'' خلال إقامته ببوكحيل تدريبات على طرق التفجير والتفخيخ وغيرها من تقنيات المتفجرات، كان يعكف على تدريبه موفد خاص من الشمال إلى بوكحيل من طرف دروكدال، وبعد أن أصبح جاهزا للاستغلال تنقل رفقة ''الفضيل'' مثلما سبق ذكره، وهناك بدأ تحضيره لتنفيذ ''عملية كبيرة''• أما شحنة الأسلحة المتبقية فقد تم اقتسامها في بوكحيل بين كتائب المنطقة الخامسة، كانت حصة الأسد فيها لكتيبة باتنة وكتيبة الجبل لبيض في تبسة، فيما نقلت باقي الأسلحة مرورا بالسلسلة الجبلية الرابطة بين بوكحيل ومرتفعات المسيلة المحاذي، ثم المدية والبليدة إلى غاية إيصالها إلى معقل التظيم الاراهبي في تيزي وزو، وتم ذلك على فترات استرجعت خلالها مصالح الأمن المشتركة كميات معتبرة في هجمات مباغتة وكمائن بالمسيلة والبليدة وباتنة، مثلما أكدته مصادر ''الفجر''•