كانت لدي رغبة كبيرة في أن أكتب عن عكاظية الشعر العربي في الجزائر ، لكني تراجعت عن ذلك في آخر لحظة، لهول ما سمعت وما قرأت عن هذه العكاظية. وفي هذه الحالة لم يكن يصح أن أقدم شهادة شاعر لم ير شيئا . فقط حمدت الله على أنني لم أكن من ضمن الشعراء المدعوين إليها. بعدما ما كنت أحس بنوع من الإقصاء والتهميش الذي طالني كما طال غيري ، ثم لم يكن أمامي غير أن أغرس شجرتي زيتون صغيرتين أمام بيتي تعبيرا عن حضور فلسطين في قلبي. وأسفا على غيابي عن عكاظية القدس عاصمة أبدية للثقافة العربية. وحين فكرت فيما أكتب في هامش هذا الأسبوع، لم يجد غير ذكرى وفاة شاعر الحب والمرأة نزار قباني، التي تحل هذه الأيام. من الصعب أن نتحدث عن شاعر تحول إلى مدرسة شعرية تتلمذت عليها أجيال شعرية، بالرغم من اللغط الذي أثير حول منحاه الشعري وطريقة كتابته وتعاطيه مع مواضيع ظلت طابوهات لقرون طويلة. لا أحد يستطيع أن يتجاوز شاعرا يسمى نزار قباني ، ذلك الشاعر الذي قلما وجد في زمننا من لم يعرفه ولم يقرأ قصائده مجتمعة أو متفرقة، ولم يخبئ كل ذلك عن أبيه وذويه ممن كانوا لا يرون في شعره إلا مروقا ونزقا ومجونا .. لكن لا أحد يستطيع أن يلغي سلطة نزار على الشعر العربي، سلطة افتكها بقوة النص وهمومه التي لم تكن مألوفة وكانت قفزة خارج كل المفهومات السائدة حينها.. لا أحد يستطيع أن يشغل مكانه، حتى وإن قيل بأنه شاعر المرأة. الذي أخرج أسرارها وجعل غرفتها وحميمياتها متاحة لكل القراء .. قد يقال إنه الشاعر الذي بنى مجده على جثث المراهقين والمراهقات من قرائه، وذلك صحيح إلى حد ما، فقد علّمت نصوصه في ذاكرتنا أول ما علّمت عندما كنا في مراهقتنا ، وذلك لا يقلل من شاعريته وأهميته، وقد يقال إنه شاعر السهل الممتنع الذي هدم لغة الشعر العربي وأحدث انقلابا في قاموسها حيث أدخل إليه مفردات العصر ومسميات الأشياء الحديثة التي لا عهد لنا بها من أغراض المرأة وأكسسورات الزينة ... وقد يقال أنه شاعر برجوازي لم يكن يعبر عن حرمان الشعراء العرب وإنما كان مختلفا بعض الشيء لأنه غزل متمدن ومتحضر، في حين كان غزل العرب بدويا ومتعطشا كرمل الصحراء. ومهما يكن الأمر فإن نزار شاعر حفر اسمه عميقا على قلوب محبيه وصار أقرب ما يكون إلى نجوم هوليوود . نزار تعلم على يديه العشاق كيف يقولون لوعتهم. وصارت نصوصه لازمات وأناشيد يتداولها المحبون والعشاق ..