واستدراكا لأخطاء الماضي، بعد ما فقهوه من علماء كان بعضهم يعتقدون بالجهاد في بلاد يدين شعبها وسلطانها بالإسلام، وكذا استفاقة للمسلحين المعتدلين من مكائد الأجانب، لتكون الجماعات المسلحة في المنطقة مطية لمصالح أجنبية هناك لا يجني منها الإسلام والمسلمون سوى سيطرة الغرب على ثروات المسلمين، باسم تأمين المنطقة من الإرهاب الذي تؤججه جهات خارجية• كانت دعاوي أمراء الجماعة السلفية السابقين وفتاوي علماء الأمة المحمدية ممن سماهم النبي (ص) بخلفاء الرسل، بمن فيهم من راجعوا فتاويهم في الجهاد، السند الذي أقام الحجة وجعل من دعاة ''الجهاد الكاذب'' تجارا بدماء المسلمين باسم دين السماحة الذي لا يهدف، مثلما يحمله إيمان أحفاد النبي، سوى إلى حفظ دماء الموحدين بالله وبرسالة رسوله الكريم• كان من بين هؤلاء الرجال الذين غرر بهم في السابق، والذين أدركوا حقيقة تلك الكذبة التي اصطنعها أعداء البلاد ودعوها الجهاد، وكان من بين هؤلاء قادة وأمراء من الجماعات المسلحة ومن الجماعة السلفية للدعوة والقتال، خصوصا تحت لواء أميرها حسن حطاب على غرار عمر عبد البر وأبوزكريا ومصعب أبو داوود، وهم الذين اكتشفوا أن الأيام التي قضوها في الجبال كانت أياما ضائعة من حياتهم ولم يكن الأمر يتعلق بالجهاد بتاتا، فرفعوا لواء المصالحة وإقناع إخوتهم من المغرر بهم بضرورة وضع السلاح وحرمة الدم الجزائري، لأنهم أول من رفع السلاح وأول من اكتشف أن المآمرة خارجية تهدف لضرب الاسلام• وكانت مساعي هؤلاء التائبين الصادقين في توبتهم، من خلال النداءات والرسائل المتكررة لإخوانهم في الجبال لأنهم أدركوا سر المغالطة وتأكدوا من ضرورة إعادة النظر في الأوضاع الحقيقية التي كانوا يعيشونها بعيدا عن أهاليهم وأحبابهم، وكذا بضرورة التبصر في هدف بقائهم في تلك المعاقل التي تعج بالمخالفات وقتل المسلمين من غير وجه حق تحت تسمية ''الجهاد''، تلك الكلمة الشريفة التي لطخها أعداء الإسلام لضرب هذا الدين الجنيف• وكان من أبرز البيانات، ذاك البيان الذي كتبه ووجهه أمير الجماعة السلفية للدعوة والقتال، حسن حطاب، والذي جاء فيه: ''بعد بسم الله الرحمان الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين• إنه انطلاقا من قوله عليه الصلاة والسلام:''الدين النصيحة''، إني من منطلق النصح لكم والشفقة عليكم أيها الإخوة، أتوجه إليكم بهذا النداء الأخوي وأدعوكم أن تكفوا وتتوقفوا عما أنتم فيه، وأنصحكم بوضع سلاحكم والالتحاق والنزول إلى أسركم، فالمجتمع مستعد لاحتضانكم وتضميد الجراح، فهو الذي انتخب على ميثاق السلم والمصالحة عن بكرة أبيه، فإن في هذا يكون خيرا لكم في الدنيا والآخرة• فبادروا أيها الإخوة بالكف والنزول من هذا المنكر العظيم، والرجوع إلى الحق وجادة الصواب ولقطع دابر الفتنة والشر، واعلموا أن هذا الذي تقومون به من سفك لدماء المسلمين لا يخدم إلا أعداء الإسلام والمسلمين، ولا هو من جهاد في شيء، ولا يمت إلى الإسلام بصلة، بل أعداء الإسلام يستغلون مثل هذه الأعمال لإضعاف المسلمين وتفريق صفوفهم والتدخل في شؤونهم• فأنصحكم بالابتعاد عن هذه الأعمال المشينة التي تحصد الأبرياء والمستأمنين، والتي تفرق وحدتنا وكلمتنا وتقر أعين أعدائنا''• حسان حطاب الذي لم يحتمل قتل جمال زيتوني لمرأة وابنتها في إحدى العمليات، أبرزت نواة الخير في الرجل، ورغم أنه لم يطلّق العمل المسلح في ذاك الوقت، إلا أنه أعلن الحرب على المجرمين من قتلة المسلمين حتى انتهى به المطاف إلى قناعة حتمية•• وهي حرمة دم المسلم وحرمة أعراض الجزائريين• وكانت من المفاجآت استجابة أحد أخطر حاملي السلاح، باسم الجهاد السابقين، وهو أبو حيدرة عبد الرزاق المدعو ''البارا'' عبر رسالة وجهها مساندا لمسعى حطاب وميثاق المصالحة الوطنية حيث جاء فيها: ''رأيت أن أضم صوتي بلسان صدق في موقف ليس بالضر وليس وراءه أطماع دنيا فانية، ولكنه نتاج قناعة بعد تفحص وتمعن عميقين في الأمر كله، ثم أرجع لما حققته الجماعة منذ تأسيسها وأوازن بين المصلحة والمفسدة، فكان يقيني أن العمل المسلح في بلادنا جلب الكثير من الويلات لشعبنا المسلم''• وأضاف البارا: ''سألت الله تعالى أن يهدي من بقي من إخواني إلى ما هداني والجماعة التي وضعت السلاح وانضمت إلى الهدنة، وعلى رأسهم أخي حسان حطاب الذي كان أكثرهم حلما وتبصرا مما كانت عليه جماعتنا، وأنهم جعلوا مصلحة الأمة الاسلامية ووقف سفك الدم الجزائري وإنهاء الفتنة، فوق كل اعتبار، ويبدو لي أن الإخوة الذين مازالوا في الجبل، وإن تأخروا في ذلك، بإمكانهم استدراك الأمر، وإنني أدعو الإخوة في الجماعة السلفية للدعوة والقتال أن تتقوا الله عز وجل في شعبكم المسلم وبلدكم المدين بدين الاسلام وفي حرمات ودماء المسلمين، وأن تعودوا إلى رشدكم وأن تتوقفوا على ما أنتم عليه، وأنصحكم أن تنظروا بجدية في أمر وضع السلاح والعودة إلى أسركم وأن تضعوا نصب أعينكم حقن دماء المسلمين. واعلموا، أيها الإخوة، أنه من كان منكم يبحث عن الحق والرجوع إليه وأن المسلم الحق هو الذي يتوقف عند حدود الله عز و جل، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.