نعم لقد حققت الجزائر وثبة في مجال البناء والعمران، وتوسعت أحياء العاصمة والمدن الجزائرية الأخرى، وأتت على الأراضي الفلاحية على طول الشريط الساحلي، لكن أية نهضة عمرانية نشهد اليوم، أحياء في قلب العاصمة تنشأ في فوضى لا تقل عن الفوضى السائدة في سهل الحميز، الذي تحول إلى مزبلة ولا أقول مدينة، بنايات من كذا طابق متفاوتة في العلو والبشاعة، وأزقة من غير أرصفة يغطيها التراب والأوحال، مناظر استمرت عشرات السنين، ولم تكتس أحياؤنا المشيدة بعد الاستعمار يوما ثوب البهجة، فلا نباتات ولا أزهار ولا تنسيق يوحي بأن هذه المدن في بلد عرف العمران بمقاييسه الحضارية منذ آلاف السنين• كلما تجولت في ضواحي العاصمة إلا وعدت بحسرة على انتشار البناءات الفوضوية ولا أعني البناء القصديري بل الفلل التي تتسابق على القبح، وكأن الجامعات الجزائرية لم تستثمر الملايير في تكوين مهندسين عمرانيين، المهنة اللصيقة بمعنى الفن، أين نحن من النهضة العمرانية التي تشهدها بلدان الخليج، أين نحن من أبراج دبي والكويت، أين نحن من الحضارة التي عرفتها الإنسانية، في ذيل الترتيب• فلولا أننا ورثنا شيئا من العمران عن العهد الاستعماري لاستحالت الحياة في مدننا التي لا ترقى الحياة بها حتى إلى مستوى الريف• لكن الفوضى ليست في العمران فقط، بل حتى البناء المؤسساتي أصابته عدوى الفوضى، فالبرلمان وساكنوه يعيشون فوضى عارمة، والحكومة ليست أفضل حالا والأحزاب التي عرفت بداية التسعينيات انتشارا فوضويا عندما استثمر في السياسة كل من هب ودب تعيش هي الأخرى فوضى قلصت من دورها في البناء الديمقراطي وضعف معها دور المعارضة كمراقب على أداء الحكومة، وقد لا تسلم رئاسة الجمهورية طويلا أمام ما يتهددها من فوضى في حال فاز أحد المرشحين الذي لا يرقى إلى تسمية أرنبة، كيف سيكون حال الجزائر؟