فكرة ذكية تلك التي تفطنت لها فرنسا مؤخرا لطي ملف ضحايا التجارب النووية بالجنوب الجزائري، وربما لا تبحث باريس من وراء تعويض الضحايا إراحة ضميرها بقدر ما تريد التخلص من آثار جريمة قد تحد من حريتها في إبداء رأيها في القضايا النووية المطروحة على الساحة الدولية مثل قضية إيران وكوريا الجنوبية مثلما تفعل واشنطن• فرنسا تريد طي ملف تجاربها النووية في الصحراء الجزائرية من خلال المصادقة على قانون التعويضات بحضور رئيس المجلس الشعبي الوطني، عبد العزيز زياري، الموجود في باريس ضمن الملف الكلي والخاص بتجاربها في المحيط الهادي، ما يعني أنها تريد عزل هذه القضية ومعالجتها بمعزل عن جرائمها الأخرى في الجزائر، مثل مجازر الثامن ماي التي يريد المؤرخ الفرنسي أن ينسبها الى سوء تسيير الإدارة المحلية آنذاك وليس الإدارة الاستعمارية• وهنا يكمن الذكاء الفرنسي، على أنها جرائم منفصلة عن النظام الاستعماري الذي يبقى في نظرها نظاما إيجابيا، مع أن هذه التجارب حدثت أثناء الثورة واستعملت فيها مجاهدين ومساجين كفئران مخابر في مكان التفجيرات النووية لمعرفة تأثيراتها على الانسان، وربما أيضا لاستعمالها كورقة ضغط على الثورة الجزائرية• لكن الضمير الجزائري يرفض هذه المعالجة، لأن جرائم التجارب هي كباقي الجرائم الاستعمارية الأخرى، لابد من معالجتها في إطار معالجة كل أضرار الحقبة الاستعمارية، أولا بالاعتراف بالجرم الاستعماري، ثم الاعتذار وأخيرا التعويض، هذا إن بقي على قيد الحياة من يستحقون التعويض من بشر لأن أضرار التجارب مازالت حتى اليوم تلحق بالانسان والحيوان وبالأرض التي لم تعد تعطي أي مردود فلاحي، والسرطان مازال معدل الإصابة به في المنطقة أكبر من معدله الوطني و حتى الإبل مازالت تخلق بتشوهات خلقية و هذه لن يمسها التعويض الفرنسي الذي لن يفيد إلا فرنسا و حدها.