سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
''مورس علينا التعذيب النفسي، وكنا نشاهد ''الجزيرة'' و''العربية'' ومنعت عنا اليتيمة'' المحكوم عليه بالإعدام في ليبيا السجين أحمد محمد الصالح يروي ل''الفجر'' معاناته في السجون الليبية
مفضلا بذلك الكلام عن كامل رواية اعتقاله بالسجون الليبية ل''الفجر'' بدءا من لحظة خروجه من بيته الكائن بحي الفاتح نوفمبر جنوب ولاية الوادي، وصولا إلى اعتقاله، ثم عودته إلى أهله، بعدما ظن أن حكم الإعدام الذي صدر في حقه سيأخذه دون رجعة عن أحبابه ووطنه· لكن القدر - كما قال - ساقه إلى الرئيس بوتفليقة الذي كان له الفضل - حسبه - في إنقاذ حياته بعدما ظن أن مسؤولي بلاده طلّقوه بالثلاث ونسوه· وفي سياق حديثه، نقل لنا شوقه الكبير لبلدته الطيبة التي أخذه الحنين إليها بعد أن مكث بالسجون الليبية أكثر من خمس سنوات كاملة بتهمة المتاجرة بالمخدرات، والتي هو بريء منها، حسبما تحدث هو وأهله وجميع من عرفوه، لأنه إنسان نظيف شهد له بطيب الأخلاق، لكن سفره من طرف أحد التجار نحو ليبيا كان سببا في سجنه لكونه ''دار النية في أولاد لبلاد'' ليصطدم بالخيانة تحاصره ويحكم عليه بالإعدام، ليذهب حينها أمله في الحياة، لكن المولى عز وجل قيض له رعاية الرئيس بوتفليقة، الذي كانت لوساطته الفضل الكبير في الإفراج عن هذا السجين، الذي كشف لنا أنه لم يصدق ذلك إلا عندما دخل التراب الجزائري شاكرا الرئيس على هذه الخدمة الجليلة التي لن ينساها طيلة حياته، متمنيا فقط أن تتكفل الدولة بتوفير وظيفة تدمجه في المجتمع وليعيل أمه وزوجته وأولاده الأربعة·
''الفجر'': هل لنا أن نعرف كيف بدأت قصة السجين المحظوظ الذي نجا من حكم الإعدام؟ السجين أحمد الصالح محمد: أنا إنسان ''زوالي''، اسمي محمد، ولقبي أحمد الصالح، متزوج، وأب لأربعة أبناء، أقطن كما تشاهدون في هذا البيت الهش مع والدتي المسنة وأبنائي، كنت سابقا أشتغل في التجارة بالسوق اليومي بعاصمة الولاية، وأحيانا أشتغل في ورشات البناء، إلى أن استقر بي المقام على تجارة الشنطة، أو ''الكابا'' كما يسمونها محليا، وساقتني الظروف إلى السجن بليبيا بعدما دخلتها أكثر من مرة لجلب السلع لبيعها في الأسواق المحلية· وعلى الرغم من أن هذه المهنة شاقة وفيها صعوبات، إلا أني بقيت أمتهنها لسنوات· وهل كان ذهابك إلى ليبيا حقيقة للتجارة؟ بالعكس، ذهبت أكثر من مرة إلى ليبيا، بل لسنوات وأنا أدخلها مطمئنا، غير أني بصراحة لم أنشط يوما في تجارة المخدرات رغم أن الحديث عنها كثير· والحقيقة أن البحث عن الرزق هو ما دفعني إلى التشبث بهذه المهنة، خاصة وأنه أحيانا كنا نجني فوائد معتبرة من تجارة الألبسة· وكيف تمت عملية توقيفك، ومن ثمّ اعتقالك وإدخالك السجن؟ تم توقيفي واعتقالي أثناء رجوعي عند بوابة غدامس بليبيا· وهل تعرضت للضرب أو التعنيف أثناء استجوابك من طرف الأمن الليبي؟ في الحقيقة تم استجوابي واستنطاقي من طرف السلطات الليبية من أجل البحث عن حقيقة ذهابي إلى ليبيا، مستعملين العنف الشديد أحيانا، خاصة وأنهم كانوا مصرّين على كوني تاجر مخدرات· وبعد عملية الاستنطاق، كيف تم تكييف التهمة وكم حكم عليك؟ حكم قاس لم أكن أتصور يوما أنه سيكون مصيري بعد أكثر من سبع جلسات بمحكمة الزاوية، حيث صدر في حقي حكم بالإعدام، ثم طلب الدفاع الاستئناف والطعن في الحكم· أين أخذوك في اليوم الأول من اعتقالك؟ وهل مورس عليك نوع من التعذيب؟ تم اعتقالي بسجن نالوت لمدة 14 يوما، ثم حوّلت إلى سجن مدينة العرفان ''بالزاوية''، قبل صدور الحكم المشؤوم، ثم بعد ذلك حوّلت إلى سجن الجديدة، جناح الإعدام والمؤبد· وقد مورس في حقنا التعذيب النفسي لدرجة أني كدت أفقد صوابي في الأيام الأولى· وكيف كانت الأيام الأولى في داخل السجن؟ أيام السجن كانت مؤلمة، وخاصة بعد صدور الحكم الظالم في مارس .2003 وماذا عن معاملة الليبي لكم في داخل السجن؟ كانت معاملة الليبيين مع السجناء الجزائريين، على ما أعلم، غير قاسية أو شديدة· للعلم، لم يلحقني أي تعذيب جسدي أما التعذيب النفسي فحدث ولا حرج· هل لنا أن نعرف بعض جوانب الأيام المؤلمة التي قضيتها في السجون الليبية؟ كانت معاملة الليبيين مع السجناء الجزائريين على ما أعلم عادية، وليست بالقاسية، لكن الشتم والسب الميزة الوحيدة السيئة، مع أني لم أتعرض طيلة فترة سجني لتعنيف جسدي، عدا التعذيب النفسي الذي أثر فينا كثيرا· كم عدد السجناء الجزائريين الذين كانوا معك؟ وما هي التهم والقضايا التي أوقوفوا بسببها؟ عدد السجناء الذين كانوا معي بسجن الجديدة وبجناح الإعدام 6 نزلاء، والجميع متهم بالمخدرات· وماذا عن جنسيات السجناء الذين كانوا معك؟ وتهم توقيفهم؟ جنسيات السجناء الذين كانوا معي عديدة، منها مصرية، مغربية، نيجرية، سودانية، وتهم توقيفهم مختلفة· أول ما تبادر إلى ذهن كل حر هو نوعية الوجبات الغذائية التي تقدم لكم؟ هل كانت كافية ومنوعة أم ماذا؟ نوعية الوجبات التي تقدم لنا متواضعة ومختلفة وغير كافية في أغلب الأحيان· ونوعية السجن هل كانت جيدة أم ماذا؟ نوعية ظروف السجن متواضعة عموما، لكن المميز أنه يسمح لنا بطهي بعض المأكولات وإدخال الخضر والفواكه إلى بهو السجن· التلفاز موجود في السجن أم لا؟ وكيف كنت تتابع أخبار أهلكم والجزائر؟ لعل من إيجابيات السجون الليبية السماح باستعمال الهاتف النقال، مع توفر كل زنزانة على جهاز تلفاز، وبذلك كنت أتابع أخبار أهلي عن طريق الزيارات المباشرة أو بواسطة الهاتف النقال، أما التلفزيون والثلاجة فكما قلت لك موجودان بالسجن· لكن دعني أسر لك بأمر آخر، هو أننا كنا نشاهد عددا كبيرا من القنوات الفضائية بدءا من قنوات الجماهيرية الليبية، وصولا إلى قناة ''الجزيرة'' القطرية و''العربية'' وغيرها، لكن اليتيمة كانت ممنوعة علينا لسبب أجهله لحد اللحظة· أثناء مكوثك بالسجن، بصراحة هل كان عندك أمل في الإفراج، خاصة وأنه محكوم عليك بالمؤبد؟ بتاتا، لم يكن عندي إطلاقا أمل في الإفراج عني، حتى إنه لما قيل لنا إن السلطات الجزائرية تتفاوض لإطلاق سراحنا لم أصدق، إلى غاية خروجي من السجن· هلا وصفت لنا حالتك النفسية ومدى اشتياقك إلى أهلك ووطنك؟ أمر طبيعي أن أشتاق إلى أهلي ووطني، فدائما كنت أفكر في والدتي وأبنائي، خاصة وأنني معيلهم الوحيد، فهم فقراء، كنت دائما ''نخمم'' في طعامهم ومشربهم وملبسهم''· من هي الشخصيات الجزائرية التي زارتكم أو اتصلت بكم قبل الإفراج عنكم؟ زارتنا بعض الشخصيات الجزائرية، ولكن لا أعرف هويتهم أو طبيعة مسؤولياتهم، وقد أخبرت أخيرا بأن السلطات العليا الجزائرية تتفاوض من أجل الإفراج عنا وعن جميع السجناء الجزائريين· وكيف كان انتظاركم للإفراج؟ كنت أنتظر الإفراج عني بشغف شديد· وماذا قال لكم الليبيون وقت الإفراج عنكم؟ كانت لحظات مؤثرة جدا أثناء الإفراج عنا، هنأنا الليبيون بذلك ودعوا لنا بالخير، فقد كنا عائلة واحدة، كما دعوا للجزائر شعبا وبلدا بالخير· أكيد أنك عشت لحظاتك الأولى من الإفراج بنوع من الشك؟ أثناء الإفراج عنا، كانت فرحتنا شديدة ولا توصف، ولم أصدق بتاتا أن تعود البسمة إلى وجهي، والأمل في لقاء الأحباب والأهل· ففي الوقت الذي كنت أنتظر تطبيق حكم الإعدام وجدت نفسي خارج أسوار السجن، إنه أمر لا صدق، بل قل إنه أغرب من الخيال· هلا استحضرت معنا بعض التفاصيل من يوم خروجكم إلى لحظة وصولكم إلى الجزائر؟ بعد خروجنا من سجن الجديدة، نقلونا إلى مركز عبور قرب مطار طرابلس الدولي، وبعد 4 أيام نقلنا بطائرة الخطوط الجوية الجزائرية إلى مطار هواري بومدين بالعاصمة الجزائرية، ثم اتصلت بأهلي، وبدورهم نقلوني بالحافلة من الجزائر إلى الوادي، ثم إلى منزلي الكائن بحي الفاتح نوفمبر بالبياضة في الوادي· حينها فقط عرفنا أن الرئيس بوتفليقة كان الوسيط في عملية الإفراج عنا، وتأكدت أن سلطات بلادي، حكاما ومسؤولين، لم يتخلوا عنا، رغم صعوبة المهمة وحاجتها إلى وقت طويل بالنظر إلى طبيعتها، فالحمد لله مليون مرة ·· لم تكن تعتقد أن السلطات الجزائرية ستتدخل لأجلكم، لكن القدر كان على يد الرئيس بوتفليقة الذي كان له الفضل في عملية الإفراج إذن؟ نعم، لم نكن نظن ونحن بالسجون الليبية أن تلتفت إلينا السلطات الجزائرية على أعلى مستوى، لكن كان للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الفضل الكبير والأهم في الإفراج عنا، ونحن بدورنا نشكره شكرا جزيلا على ما قام به لحل هذه المشكلة التي ورطنا فيها رغم أنفنا، حيث كان السبب الرئيسي في إنهاء مأساتنا· وكيف كانت حرارة لقائك بأهلك مجددا؟ حقيقة، لا تتصور أو توصف، الدموع لم تتوقف للحظة، رأيت وفودا من الأحباب والجيران، والأعمام يسارعون لملاقاتي ومصافحتي، وعموما فرحتي بلقاء الأهل والإخوان والأحباب بعد مرور سبع سنوات ونصف ظلما بالسجون لا تتصور إطلاقا، فمن اليأس في الحياة إلى الفرح والجلوس مع الأهل والخلان· ما تقول في ختام هذا الحوار لقراء ''الفجر'' ومن يقرأون هذه الشهادة؟ أشكر يومية ''الفجر'' على هذا الحوار، وعلى هذه الالتفاتة الطيبة لسرد مأساتنا على صفحاتها ليطلع عليها القراء الأوفياء· أما بالنسبة للسلطات الجزائرية فلا أجد غير الشكر والثناء على مساعدتهم لنا لإنهاء هذه المعضلة والإفراج عنا، ونطلب منها التفاتة لمساعدتنا على الاندماج من جديد في الحياة الاجتماعية، وجزاكم الله خيرا· أرجو فقط أن يمنحني الرئيس بوتفليقة عملا أحفظ به ماء وجهي، وأحاول من خلاله الاندماج في المجتمع، وأدفع الديون المالية المتراكمة على عاتق أهلي، ولو