سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الغزالي وصفني بالملحد ولو لم أغادر الجزائر سنة1991، لما كنت اليوم على قيد الحياة الشاعر الفلسطيني الكبير عز الدين المناصرة في حوار مع ''الفجر الثقافي''
يعد الشاعر والناقد الفلسطيني الكبير عز الدين المناصرة أحد أهم الأصوات الشعرية التي أنجبتها فلسطين، ولد المناصرة في الخليل بفلسطين سنة,1946 وغادرها في ,1964 ولم يزل يبحث عن وجهته إليها لحدّ الساعة• عاش متنقلاً في العديد من البلدان، ولعل أهم محطة في حياته كانت الجزائر، التي عاش فيها ما يزيد عن 8 سنوات، نتيجةً للحصار الذي شنته عليه بعض القيادات الفلسطينية آنذاك، والتي كادت أن تودي بحياته لو لم يغادر الجزائر•• بعد سنوات طويلة قضيتها بعيداً عن الوطن الذي احتواك ذات خريف من سنة 3891، ها أنت تعود إليه، ترى ماذا تحفظ ذاكرتك بعد من جزائر1991، التي غادرتها مرغماً؟ لازلت أحفظ الكثير من تلك الذاكرة، فلي في الجزائر الكثير من الذكريات، يكفي أنها احتضنتني كبعض البلدان العربية الأخرى، يوم حرمت من حق العودة إلى فلسطين، كما أن أحد أبنائي ولد فيها وأصبحت العلاقة بيني وبينها -الجزائر- أكبر من مجرد وطن أعيش فيه• ما حكاية مغادرتك للجزائر، وأنت الذي قلت ولازلت تقول بأنها أكبر من مجرد وطن أعيش فيه؟ غادرت الجزائر كما تفضلت وقلت مرغماً، سنة ,1991 وبالتحديد من مدينة الجسور المعلقة، قسنطينة، نتيجة للتهديدات التي كانت تصلني، والتي وصلت إلى درجة إباحة دمي، وكل هذا بسبب بعض الأطراف المتعصبين والمتطرفين• من هنا بدأت تنهال عليّ المشاكل الواحدة تلوى الأخرى، إلى أن قام الشيخ الغزالي رحمه الله، بتأويل ما جاء في أحد قصائدي، وقال إنها تدعو إلى الشيوعية والإلحاد•• بعد كل هذه المؤامرات التي حيكت ضدي كان من غير المعقول أن أبقى في الجزائر، لهذا غادرتها متجها إلى الأردن التي لازلت أعيش فيها لحد الآن• إذا السبب وراء مغادرتك للجزائر، هو الشيخ محمد الغزالي رحمه الله؟ لا•• لم أقل بأنه المتسبب الأول، بل كانت هناك أطراف أخرى وراء ذلك، وهي أطراف فلسطينية، ومن السلطة الفلسطينية التي كانت تسعى في كل مرة لمضايقتي وإسكاتي• على أي أساس بنيت افتراضاتك هذه؟ هي ليست افتراضات، لأن الأمور تطورت إلى حد مخيف، كما أن الصوت الذي حدثني عبر الهاتف، كان صوتاً فلسطينيا، وكنت فيما مضى قد قلت بأنه عضو السلطة الفلسطينية آنذاك وهو العقيد عبد الرحمن صالح، كما قلت أيضا بأنه هو من قتل ناجي العلي، صوت فلسطين الذي أخمد على حين غرة في سنة,1987 ولو لم أغادر الجزائر في ذلك الوقت لما كنت على قيد الحياة الآن• عدت اليوم إلى الجزائر بعد حوالي 81 سنة من الرحيل، محملاً بأعمالك الشعرية الكاملة، التي صدرت في الجزائر بالموازاة مع معرض الكتاب الدولي في طبعته ال41، وأيضاً محملاً بنصك الشاهق حيزية، أتراك عدت لتحييه أم لتحيي التراث الشعبي الذي نكاد نفتقده في زمن الشعر هذا؟ صحيح أنا سعيد بصدور أعمالي الكاملة، أخيراً في الجزائر، فهي تمنح للقارئ الجزائري فرصة الإطلاع على أعمالي، وأنا أشكر الإخوة الجزائريين على مبادرتهم الجميلة في هذا التواصل الثقافي• أما نص ''حيزية عاشقة من رذاذ الواحات''، فهو رحلة البحث عن المفقود في هويتنا العربية، وتكاد تكون هذه القصيدة موجودة في كل الأمسيات الشعرية التي أنشطها•• إنها الأصالة بحدّ ذاتها، إنها المرأة الجزائرية الرمز، والتي لا يمكن أن ننساها ونحذفها من ذاكرتنا ولا تاريخنا• باعتبارك صاحب التجربة الطويلة والمتنوعة في ميدان الإبداع، كيف تقيم الحركة الثقافية في عالمنا العربي، وهل استطاعت تلك الحركة في أن تواكب قضايا القومية العربية؟ هناك فئة قليلة فقط من هؤلاء الشعراء الذين استطاعوا أن يكونوا صوت أمتهم، وشعوبهم• هؤلاء القلة دفعوا ثمن مواقفهم وقضاياهم غالياً، مثلي ومثل مئات المبدعين العرب الآخرين، سواء الذين سبقوني أوالذي سيأتون بعدي، دفعوه بالدم وبأرواحهم، وبالتشرد من بلد إلى بلد آخر بحثاً عن الوطن الذي غادره• هناك من يقول إن قامة الشاعر الراحل محمود درويش الشعرية، وحضوره الكبير في مختلف المحافل الدولية العربية والأجنبية، جعلته صوت فلسطين، والناطق باسم شعبها• هل في هذه المقولة ظلم لك، ولشعراء فلسطينيين آخرين؟ ليست المسألة مسألة ظلم، بل هي مسألة حضور، ولو تابعنا مسار الراحل محمود درويش وقارناه بغيره من الشعراء الفلسطينيين الآخرين لوجدناه أكثرهم حضوراً، وأكثرهم غزارة وإنتاجاً• من هنا برزت فكرة أن يكون درويش هو صوت فلسطين، والمتحدث باسمها كما تصفه النخبة العربية المثقفة، ولكن لم يحدث أن كان لأي ثورة من الثورات التي شهدها العالم صوت واحد، لكن كان هناك دائماً حضوراً لشاعر واحد بفعل الإعلام والسلطة التي جعلت منه صوتها، لا صوت الشعب والأمة• طيب ماذا قدم هؤلاء للقضية الفلسطينية، بما في ذلك درويش والمناصرة؟ نحن مهمتنا كمثقفين وكشعراء ليس ممارسة السياسية، نحن نكتب، ونؤرخ للحظات في حياة أمتنا وما يمر به شعبنا العربي• ليس المهم ماذا نقدم، المهم أن نقدم الحقيقة بكل ما تحمله من مرارة وحرقة، والأهم من هذا كله أن يبقى المثقف مع شعبه، وأن يناضل معه بالقلم والكلمة• أما بخصوص ما قدمته أنا للقضية فأعتقد بأن مساري معروف، فقد عشت متنقلاً بين تونس، والجزائر، الأردن، صوفيا، لبنان، مصر، وغيرها من البلدان التي احتوتني يوم غادرت وطني فلسطين• رغم أنك شاعر كبير، وصوت أمتك وشعبك، إلا أنك لم تنل من الشهرة ما وصل إليها بعض الشعراء الفلسطينيين، إلى ما توعزون ذلك؟ ومن قال لك بأنني أبحث عن الشهرة؟، وهل تستدعي قضيتي وقضية الشعب الفلسطيني أن أكسب من ورائها شهرة ما؟ أنا أكتب•• هذا ما يعنيني بالدرجة الأولى، ثم لم يحدث أن وصل شاعر إلى الشهرة التي تتحدثين عنها، وإن كان الحظ قد حالف الراحل محمود درويش، إلا أن مشروعي الأول والأخير هو أن أكتب وأن أحلق في سماء الإبداع• أما لو سألتني عن سبب وصول بعض الشعراء دون غيرهم إلى سدّة الشهرة، فالسبب هو أنتم•• فالإعلام العربي بشكل عام، أصبح يكرس كالسلطة تماماً أسماءً دون أخرى، وما تشهده الساحة الإعلامية العربية حالياً خير دليل على ما أقوله، فقد أضحى الإعلام العربي يقتل الشعر والشعراء، أنا إنسان أستمتع بما ينتجه قلمي، سواءً في الشعر أوالسينما أوالمسرح، أوالرسم، أوالنقد، وهذا يكفيني• تجربتك الإبداعية مفتوحة على أكثر من فضاء إبداعي، كيف أمكنك التوفيق بين كل هذه الفضاءات بالإضافة إلى عملك النقدي الأكاديمي؟ لست أول من قام بهذا المزج بين مختلف الفضاءات الإبداعية، مادامت تصب في مجملها في خانة الإبداع• أما النقد فقد سبقني إلى ذلك العديد من الشعراء العرب كالشاعر أدو نيس، خليل حاوي، وغيرهم من الشعراء العمالقة الذين انطلقوا إلى فضاء النقد بعد أن امتلكوا قامةً شعرية معتبرة• والمتتبع لمساري سيجد بأنني دخلت النقد متأخراً جداً عنهم، واعتقد بأنني استطعت أن أوفق بين هذين المتضادين، الشعر والنقد، هذا الأخير الذي دخلته بفعل العمل في الحقل الإعلامي، الذي دخلته كي أدافع عن الشعر والشعراء ليس إلا• ما تقييمك للحركة النقدية في عالمنا العربي؟ للأسف ليس لدينا نقاد كثيرون يمكننا أن نأتمنهم على نصوصنا الإبداعية، لأن أغلب هؤلاء النقاد انجرفوا تحت لواء السلطة، ووسائل الإعلام، والشعراء النخبة، لكن بشكل عام لدينا نقاد لا بأس بهم، لكنني وغيري من الكتاب والشعراء نأمل في أن يكون لدينا نقاد يبعثون على التفاؤل في مسار الحركة الإبداعية العربية بشكل عام مستقبلاً• باعتبارك مطلعا على المشهد الإبداعي الجزائر، بحكم أنك عشت في الجزائر وكنت على اطلاع بهذا المشهد، كيف تقرأ اليوم المشهد الإبداعي الجزائري؟ صحيح كانت لي فرصة الاطلاع منذ زمن طويل على المشهد الأدبي والإبداعي الجزائري، عن قرب هنا بالجزائر، وقبل ذلك من خلال نصوص عبد الحميد بن هدوفة، ومحمد ديب، ومالك حداد، الذين أثروا الساحة الأدبية بنصوصهم التي ستظل خالدة، كذلك يفعل جيل السبعينيات والجيل الحالي الذي تتلمذ أغلبهم على يدي، وما أسعدني وأنا اليوم في الجزائر، ألقي أمسيتي الشعرية هنا بأغلب من حضرها هم تلامذتي الذين أصبحوا يتبوءون مراكز علمية كبيرة، فمنهم من أصبح وزيراً ومن أصبح إطاراً سامياً في الدولة، ومنهم من أصبح مبدعاً كبيراً•