لا أتصور أن الإشارة إلى حالة اهتراء واضحة في واقعنا، أو توصيف حالة سلبية قائمة في أي مكان أو زاوية من مواقع حياتنا بالأمر الصعب، ليس فقط بسبب كثرة السلبيات والمشاكل والتحديات المثارة هنا وهناك، وإنما أيضاً بسبب استمرار واستدامة وجودها، وعدم وجود إرادة حقيقية وسعي جدي حثيث لدى المسؤولين وأصحاب القرار وصناع السياسات العرب لتداركها ومحاولة احتواء نتائجها وتداعياتها ومخاطرها المستقبلية على أكثر من صعيد، ولذلك من الطبيعي جداً أن يعاد تسليط الضوء النقدي عليها بشكل وبآخر وبين الفينة والأخرى•• مناسبة هذا الحديث هو خبر تناقلته وكالات الأنباء حول إعلان جوائز نوبل للفيزياء والكيمياء الحيوية و الاقتصاد و غيرها، والتي كانت نتائجها - كما درجت العادة - تصب في خانة وصالح الباحثين والعلماء والجامعات الغربية عموماً في كل من أمريكا وأوروبا•• والسؤال النقدي المطروح هنا، الذي قد يظنه البعض نوعاً من الجلد غير المبرر للذات الجماعية: لماذا هذا الغياب العربي الكامل عن المواقع العلمية الدولية؟!•• وأين يكمن جذر العطالة في تراجعنا وانكفائنا عن سيرورة التحولات البحثية العلمية الدولية؟•• هل السبب ثقافي عميق أم سياسي طارئ؟! أما أن السبب يكمن في سيطرة الثقافة المتعصبة على عقول أفرادنا ومجتمعاتنا ودفعها لهم باتجاه تبني خيارات أقصوية حادة فكراً وممارسةً؟! إنها أسئلة إشكالية كبيرة تمس صلب معاناتنا ومشاكلنا اليومية العربية، وينبغي على الدوام إعادة طرحها والتأكيد عليها، ومحاولة تقصي جذورها الفكرية والميدانية، واستخلاص العبر والدروس•• ليس بسبب عدم حصول أسماء عربية (نشأةً وتعليماً) على أية جائزة دولية خاصة بالبحث العلمي من نوبل ومن غير نوبل (ونحن لا نعيش عقدة نوبل ولا عقدة غير نوبل، حيث سبق للعاِلم العربي أحمد زويل الذي دَرَسَ ودرّس في جامعات أمريكا منذ الستينات أن حاز على هذه الجائزة عن جدارة واستحقاق)، وإنما خطورة السؤال تنطلق من عدم وجود أجواء علم وبحث علمي صحيح في عالمنا العربي المثقل بالانكسارات والهزائم، ومن عدم وجود قاعدة بحثية أو تقاليد علمية عربية صلبة ومتماسكة حتى الآن، ومن عدم وجود تنسيق عربي علمي فعال حتى الآن، ومن عدم وجود إرادة علمية عربية جدية حتى الآن، ومن عدم وجود إستراتيجية علمية عربية واضحة المعالم حتى الآن، ومن هشاشة وضعف البنية المؤسساتية والعلمية العربية، وعدم قدرتها العملية على تحقيق أدنى معدلات الاستجابة الفاعلة والمؤثرة للتحديات التقنية الهائلة، ومن نقص مردودية الباحث العربي، وتخاذله عن البحث والعمل العلمي الدقيق، نظراً لقلة تعويضه وحافزه المادي والمعنوي، وقلة المشاركة المنتجة في المؤتمرات الدولية من أجل الاستفادة وتبادل الخبرات والنتائج العلمية، وسرعة تطبيق الاستخلاصات والانتفاع بها• فالكل عندنا - في عالمنا العربي، للأسف - يستهلك وقته في السياسة العربية الرثة والمتخلفة والبدائية بتياراتها وشجونها وتعقيداتها وإشكالاتها وتقلباتها وحرتقاتها التي لا تنتهي، وأما الآخر (غير العربي) فتراه يفكر ويعمل ويتحرك وينطلق ويؤسس ويبني ويحقق نتائج ميدانية مفيدة ملموسة (سياسية وغير سياسية) تزيد من قدرة البشرية على تطوير وجودها النوعي العملي في هذه الحياة، حياة اليوم وحياة الغد• من هنا اعتقادنا بأن ضخامة تلك السلبيات القائمة والمفضية إلى تدني الحالة العلمية العربية عموماً، بالرغم من وجود نتائج طيبة على أكثر من صعيد تظهر فقط عندما يذهب الباحث العربي ليدرس ويبحث في الجامعات الغربية، ليحقق حضوراً قوياً منتجاً•• أقول إن كثرة تلك السلبيات التي نحاول تناولها من زاوية النقد، والإشارة المباشرة إلى حجم الأخطاء التي يمكن أن تنتج عنها وتتفشى من خلالها في غير موقع من حياتنا الاجتماعية والعملية والفكرية، ينبغي ألا يجعلنا ندخل في دائرة الإحباط واليأس، بل من المهم دائماً لفت النظر إليها والتأكيد على أنه ليس لنا من غاية من طرحها سوى إظهار مدى خطورتها المستقبلية على حياتنا، والمساهمة - مع من هم في سدة القرار والمسؤولية العملية - في إيجاد حلول عملية واقعية لها•• فالتبرير ليس من شيمنا، كما أن جلد الذات ليس من أهدافنا• بقلم نبيل علي صالح