لكنني لم أتمكن من أن أكظم غيظي وأعبر عن استيائي، ولو بأضعف الإيمان والكلمات، حين آل الأمر إلى ما آل إليه من ابتذال وإسفاف، وأصبح الأمر يتعلق بالطعن في المقدسات والثوابت والشرف والتاريخ لشعب بكامله، بما يشكل مدخلا لي ولغيري من المثقفين الذين يقع على عاتقهم واجب الإدلاء بشهاداتهم في أمر اتضح أنه يتجاوز ''التلومة'' وتهافتها••• ربما كان سذاجة مني، كما هي عادة الشعراء، أنني لم أكن أعرف أن الكرة المرقطة المستديرة تخفي وراءها كل هذا الحقد والكراهية، وأن المصريين الذين علمونا أبجدية الحب وقاموس الغزل، من خلال مسلسلاتهم، يملكون كل هذا القاموس الثري بالسباب والشتائم، الذي حولني إلى لقيط وخائن وإرهابي، وقد كنت إلى عهد قريب صاحب نخوة وشهامة ورمزا للتضحية والشهادة•• أي عذر أجده لهوائيات أم الدنيا، وأرض الحضارة والثقافة والعلم والتنوير والثقافة، بعدما سقط القناع عن وجهها الحقيقي بسبب مقابلة كرة قدم، وذابت المساحيق من على ملا محها المليئة بالغرور والاستعلاء والنرجسية•• ما الذي حدث كي نتحول، نحن الجزائريون، في رمشة عين من شعب متحضر وذواق في نظر نجومهم وفنانيهم، وهم أمام عدساتنا، وقد فرشنا لهم البسط الحمراء في أفخم فنادقنا وأرقى صالاتنا، إلى رعاع، وبرابرة همجيين•• أين كان كل هذا الحقد قبل مباراة أم درمان؟• هل كانوا ينافقوننا من أجل تجارتهم كي لا تبور، أم أننا كنا المعنيين بشكل رمزي في مسرحية ''مدرسة المشاغبين'' و''عنتر شايل سيفو''، ووو••• إنني أتفهم حزنهم وأساهم على حلم المونديال الذي كان يمكن أن ينسى رعاياهم ومواطنيهم كثيرا من مشاكلهم ومشاغلهم، ويلهيهم عما يدبر لهم من كوابيس التوريث، لكنني لم أكن أتمنى أن يكون ذلك على حساب كرامة المواطنين الجزائيين بالطعن المشين في هويتهم وعروبتهم ودينهم •• وإذا كان ذلك مقبولا من الغوغاء و''الهوليفانز'' الرياضيين، ممن لا يعتد برأيهم، كما في كل دول العالم، ومن الشباب المصريين الغير بالغين والمزجوج بهم في حرب لا يدركون أبعادها، فإنه من غير المقبول أن يصدر كل ذلك الكلام عن الناضجين عقليا والمكلفين منهم فنيا والمأجورين سياسيا، وإلا فما معنى أن يشهروا في وجوهنا سيوف التهديد والوعيد بإخراجنا من العروبة، ويهددونا بالمقاطعة الفنية والسياسية في سابقة غير مفهومة الدوافع، ظاهرها الكرة وباطنها أشياء أخرى•• وكأنهم يعتقدون بأن الأرض ستتوقف عن الدوران إذا لم نشاهد أفلامهم ولم نشارك في مهرجاناتهم، أوأننا سنأسى ونتأسف على جوائزنا وأوسمتنا التي يهددون بحرقها، وقد منحناهم إياها عن طيب خاطر•• أبدا لن تتوقف الحياة بسبب سخطهم علينا، ومع ذلك فإن الأرض ستظل تدور وتدور إلى أن يشاء الله•• بأي وجه سيقابلوننا غدا أو بعد غد إذا ثابوا إلى رشدهم، واكتشفوا بأن زبد الغيظ أعمى قلوبهم، فاقترفوا مجزرة كبيرة في حق شرفنا وكرامتنا؟• وأي عذر سيقدمون لنا، وقد أحرقوا كل سفن العودة إلى قلوبنا وعيوننا التي ستظل تكن كل المحبة والتقدير للمصريين الشرفاء من كتاب ومثقفين وفنانين لم ينساقوا وراء هوائيات الفتنة التي شنت حملة هجاء شامل على الجزائر والجزائريين•• شعبا وتاريخا وأمة وشهداء، بلغة التعميم الذي لا يقبله العقل والمنطق السليم، ضاربة عرض الحائط بكل مواثيق الشرف المهني الإعلامي وأخلاقيات الصحافة، بانحيازها للتعصب المقيت والشوفينية والفتنة والتحريض•• نشرت بتاريخ23 نوفمبو 2009 Hachimite5@yahoo .fr