منذ عشرين سنة سقط جدار برلين، وسعدت شعوب أوروبا بهذا الإنجاز، وبفوز نضالها ضد ما سمي بجدار العار الذي فصل بين شعب واحد طوال 28 سنة، وسقط على جانبيه العشرات من الأرواح التواقة إلى الحرية· وبعد عشرين سنة رفعت مصر ''أم الدنيا'' جدار العار بينها وبين غزة، القطاع الذي يحمل 80% من سكانه جوازات سفر مصرية· مصر أم الدنيا، الأخت الكبرى التي لها أفضال على كل الشعوب العربية مثلما أمطرتنا بهذه الأقوال فضائياتها منذ أسابيع، لم تكتف بغلق المعابر فقط على سكان غزة، المنطقة الأكثر كثافة سكانيا، والأكثر اختناقا على وجه الأرض، ولم تكتف بردم الأنفاق بالمياه القذرة والفضلات البشرية مثلما روى أحد المسؤولين المصريين وهو يستقبل وفدا من البرلمان الأوروبي السنة الماضية· ولم ينتبه للجزائري الذي كان ضمن الوفد الأوربي، فراح يروي إنجازات بلده ضد غزة بمزيد من الفخر والبهرجة· بأي حق تغلق مصر مبارك حدودها في وجه سكان غزة·· وكأنها هي من حررت هذه الحدود·· ألم يقل السادات وقبله جمال عبد النصار إن مصر تقود حروبها ضد إسرائيل من أجل العرب·· فكان على العرب أن يدفعوا بجيوشهم وأسلحتهم إلى سيناء دفاعا عن شرف العرب·· ودفاعا عن سيناء· وهدف الجيوش العربية من تحرير سيناء ليس لجعلها منتجعا سياحيا للإسرائيليين، وإنما لتكون عمقا لغزة في حروبها ضد إسرائيل· لم نحرر سيناء ليتقاسمها آل مبارك وآل شارون، حررنا سيناء لتكون قاعدة تنطلق منها جيوشنا العربية لتحرير فلسطين·· ألم يكن هذا حلمنا نحن الجزائريين الذين فقدنا في صحراء سيناء أزيد من ثلاثة آلاف شهيد، ما كانوا ليموتوا لو كنا ندري أن مصر ستشيّد يوما ما جدار ''السيادة المفقودة'' في وجه الغزاويين بعدما أغلقت في وجوههم كل المعابر·· أليست مصر هي من كانت تصدر الإسمنت لإسرائيل لاستعماله في الجدار العازل منذ بضعة سنوات؟! ما كان شهدائنا ليموتوا لو أنهم كانوا يدرون أن مصر ستكون يوما ما أشد عداء للفلسطينيين من إسرائيل نفسها·