تصادفت عودة محاكمة إطارات الشركة الوطنية للنقل البحري “كنان“، الذين ارتبطت أسماؤهم بحادثة غرق باخرة “بشار“ بميناء الجزائر شهر نوفمبر 2004، حيث من المنتظر وقوفهم من جديد أمام محكمة جنايات الجزائر خلال الدورة المقبلة تصادفت مع حادثة غرق السفينة الطوغولية بميناء تنس منتصف شهر ديسمبر من السنة المنقضية، ومع إقدام مؤسسة موانئ الجزائر يومين قبل انقضاء سنة 2009، وبعد مرور أيام فقط من غرق السفينة الطوغولية على توقيع عقود لاقتناء ثلاث سفن جر موجهة لعمليات البحث والإنقاذ في أعالي البحار مع الشركة الإماراتية غراندوالد دبي بتاريخ 29 ديسمبر 2009. لا يمكن في هذا الشأن المرور على هذه المعطيات المتوفرة، والتي تصادفت مع عودة قضية إطارات الشركة الوطنية للنقل البحري لأروقة العدالة دون إبداء بعض الملاحظات، وهذا من باب وجود أوجه تشابه بين حادثتي الغرق، مع أن الاختلاف يكمن في كون الباخرة الأولى تابعة لمؤسسة وطنية والثانية أجنبية. الأولى أعقبتها عملية زج بالإطارات في السجن، في حين أن الثانية أعقبها توقيع مؤسسة موانئ الجزائر عقودا لاقتناء ثلاث سفن جر موجهة لعمليات البحث والإنقاذ في أعالي البحار. وفي هذا الخصوص، يرى الملاحظون والمراقبون لشؤون الموانئ الجزائرية، أن الحادث الثاني عرّى وفضح تعامل المسؤولين مع الحادث الأول، من خلال زج إطارات مجمّع “كنان“ في السجن، وإرجاع سبب غرق باخرة بشار، بطاقمها المتكون من 15 بحارا من أصل 30 لأسباب تقنية وليس بسبب “القوة القاهرة“ التي خلّفتها سوء الأحوال الجوية، حيث عرف خليج الجزائر، وقتها، اضطرابا جويا وبحريا وسرعة في الرياح بمعدل 80 كلم في الساعة. واليوم يعاد سيناريو غرق باخرة الطوغو التجارية بميناء تنس، حيث غرقت صبيحة يوم 14 ديسمبر من السنة المنصرمة بعد تعرضها لاهتزاز بالغ في أعقاب هبوب عاصفة هوجاء بسرعة 70 الى 80 كلم في الساعة، قبل أن يفقد طاقم الباخرة التحكم في الوضع ليطلق طاقمها، أثناء لحظات غرق هذه الأخيرة، نداء استغاثة للقوات البحرية من أجل الإسراع للتدخل لإنقاذ والبحث عن طاقم الباخرة، وهذا بالاستعانة بطائرة مروحية إسبانية متخصصة للمساعدة في عمليات البحث في عرض البحر. وبالموازاة مع ذلك، أمر وزير النقل، عمار تو، بفتح تحقيق لتحديد أسباب غرق الباخرة التجارية الطوغولية، بعد أن أودت الحادثة بحياة شخصين وفقدان ستة آخرين ونجاة آخر من جنسية مصرية، والذي يعد شاهد عيان على الحادثة. كما أن المتتبعين لحادث غرق باخرة “بشار“ ينتظرون بشغف نتائح التحقيق في قضية السفينة الطوغولية، الذي فتحته وزارة النقل قصد مقارنته مع نتائج التقرير الخاص بغرق باخرة “بشار“ حسبما علمته “الفجر“من مصادر مطلعة. موانئ الجزائر تتدعم بسفن جر موجهة لعمليات البحث والإنقاذ في أعالي البحار من هذا المنطلق، أفادت مصادر مطلعة ل“الفجر“ أن غرق السفينة الطوغولية ستدفع أطرافا أجنبية للتدخل على غرار شركات التأمين الأجنبية، وهذا من باب أن طاقم الباخرة ينتمون لمختلف الجنسيات الأجنبية. وبالتالي، فإن وزارة النقل عليها أن تتفادى الوقوع في أية أخطاء، في ظل انتقاد الكثيرين من بينهم دفاع المتهمين خلال محاكمة إطارات “كنان“ للتقرير على أساس أن الوزارة عينت لجنة غير مختصة. وبالموازاة، فإن استجابة الموانئ الجزائرية في الشق المتعلق بعمليات الإنقاذ والإمكانيات المادية المسخرة لذلك، سيكون محل تسليط الضوء من قبل نظرائها الأجانب، خاصة وأن الجزائر أمضت على عدة اتفاقيات دولية على غرار اتفاقية المنظمة البحرية الدولية واتفاقية سلامة الحياة في البحر، وبالتالي فإن هذه الانضمامات جعلت القوانين الجزائرية مكيّفة مع هذه الاتفاقيات. وكشف مصدر مطلع ل“لفجر“ أن إقدام موانئ الجزائر على اقتناء هذه السفن من شأنه أن يحافظ على سمعة تدخلاتها في عملية الإنقاذ. وبالعودة لقضية غرق باخرة بشار، فإن لجنة التحقيق أرجعت سبب غرق باخرة بشار لأسباب تقنية وليست لسبب “القوة القاهرة“ الناتجة عن سوء الأحوال الجوية، رغم أن الباخرة كانت راسية وليست في حالة إبحار، بدليل أن وثائقه انتهت صلاحيتها ما يجعلها غير قابلة للإبحار، ليتم التساؤل“ كيف ستكون نتائج التحقيق بخصوص الباخرة الطوغولية التي غرقت في نفس ظروف سوء الأحوال الجوية“. وفي سياق ذي صلة، فسّر المتتبعون إقدام موانئ الجزائر أرزيو وسكيكدة على توقيع موانئ الجزائر عقودا مع الشركة الإماراتية غراندوالد دبي، لاقتناء ثلاث سفن جر موجهة لعمليات البحث والإنقاذ في أعالي البحار بعد مرور 15 يوما من غرق سفينة الطوغو، دليل على افتقار الموانئ الجزائرية للإمكانيات اللازمة للتدخل في حالة مواجهة البواخر “قوة قاهرة“ مثلما حدث مع باخرة بشار والسفينة الطوغولية. وبالحديث عن العقود فقد سبق لبدر الدين بوزويجة المدير العام لمجمع المنفعة المشتركة للمؤسسات المرفئية، أن أفاد لوكالة الأنباء الجزائرية أن قيمة العقود فاقت قيمتها 80 مليون أورو تخص اقتناء ثلاث سفن بطاقة جر تقدر ب130 طنا، موجهة لتغطية كافة السواحل الجزائرية من خلال المصلحة الوطنية للبحث والإنقاذ البحري، مشيرا إلى أن هذه العملية التي تمت تحت إشراف وزارة النقل ستسمح لمؤسسات الموانئ الجزائرية الثلاثة بالمساهمة في عمليات البحث والإنقاذ في أعالي البحار، طبقا للتنظيم الساري في مجال عمليات البحث والإنقاذ التي تجري تحت إشراف المصلحة الوطنية لحراس السواحل.
“السفينة غرقت لأن إمكانيات النجدة في هذه الحالات غير متوفرة“ عندما غرقت سفينة “بشار“ ولم يتمكّن القائمون على خلية الأزمة من إنقاذ الطاقم، بعدما ظل أفراده يستنجدون بها طيلة خمس ساعات، بدءا من الساعة الرابعة والنصف مساء إلى الثامنة ليلا، توقيت تأكيد قائد الباخرة أنهم يغرقون، وتم الزج بإطارات الشركة الوطنية للنقل البحري “كنان“ في السجن. ويتعلق الأمر بالرئيس المدير العام لشركة “كنان“ علي كوديل“ ومدير قسم التجهيز والشؤون التقنية، ومفتش تقني في باخرة “بشار“، مدير تجهيزات البواخر الخارجية، مدير تقني للبواخر ذات الحمولة بالتجزئة، ربان باخرة باتنة، مهندس تقني مكلف بمتابعة البواخر، ميكانيكي بباخرة باتنة، نقيب ثاني للملاحة، الذين أودعوا الحبس المؤقت، بالإضافة إلى الطباخ والشحام والبحار وضابط راديو، رئيس طاقم الباخرة، ضابط الكهرباء، ضابط السطح، ضابط ميكانيكي رئيسي لقاطرة سيدي عبد الرحمان، ملازم أول بالبحرية التجارية، وكذا تمت متابعة رئيس المركز الوطني لعمليات الحراسة والإنقاذ بالنيابة، رئيس المجموعة الإقليمية لحراس الشواطئ. وخلال أطوار المحاكمة الأولى، أمام محكمة الجنايات، التي قضت ب 15 سنة سجنا نافذا ضد المسؤول الأول على “كنان“، أكد وقتها أن عملية الإنقاذ لم تكن في المستوى كونه تتبع كل المجريات بعد التحاقه بخلية الأزمة، إذ اتصل بالرئيس المدير العام لمؤسسة تسيير الميناء وبمدير الملاحة التجارية بوزارة النقل، قصد إخطار وزير النقل بالموضوع، وأكد أن وزير النقل إتصل به، وأخطره بخطورة الوضع وبضرورة استعمال المروحيات لنجدة الطاقم. وهو ذات التأكيد الذي صرح به “ح.سيد أحمد“ رئيس المركز الوطني لعمليات الحراسة والإنقاذ، بتأكيده أن المركز تدخل، ولكن الإمكانيات الخاصة بالنجدة، في هذه الحالات، غير متوفرة، ما أدى إلى عدم التحكم بصفة جيدة في الوضع. وهو ماذهب إليه “ز.صالح“، مفتش تقني لباخرة “بشار“ حيث أكد نقص وسائل النجدة الخارجية. ودون أن نعلق على حادثة الغرق، سندع هذه الكرونولوجيا تبيّن كيف تمكّنت “القوة القاهرة“ من إغراق باخرة “بشار“، في ظل غياب الإمكانيات الملائمة لمواجهة هذه القوة.
^ في حدود الساعة 16:30 من يوم 11 نوفمبر 2004، يتصل قائد باخرة “بشار“ بواسطة هاتفه المحمول بالمفتش العام للشركة الوطنية للنقل البحري “كنان“، حيث أبلغه بأن الباخرة في حالة سيئة وخطرة وأنه لا يمكنه رفع المخطاف والباخرة تنحرف باتجاه حاجز خير الدين. 16:50 دقيقة: قائد الباخرة يتصل بالقبطانية وحراس السواحل عن طريق جهاز راديو“ف.آش.آف“ “وأبلغهم بأن الباخرة في حالة سيئة وخطرة وأنه لم يستطع رفع المخطاف أو قطعه. كما أبلغهم بأن الرياح تدفعه نحو حاجز خير الدين. 16:35 دقيقة: قائد الباخرة يطلب من القبطانية إرسال قاطرات لمساعدته لأنه ينحرف في اتجاه حاجز خير الدين، وضابط الخفارة بالقبطانية يطلب منه الانتظار. 16:55 دقيقة: ضابط القبطانية يبلغ قائد الباخرة بأن جميع القاطرات مشغولة في الميناء بسبب التدخلات الكثيرة. 16:58 دقيقة: قائد الباخرة يرسل إنذار استغاثة “أس.أو.أس“، عن طريق الجهاز الآلي “ج.م.د.آس“ والذي استقبلته جميع البواخر والمحطات المجهزة بمثل هذه الأجهزة. 17:00 ساعة: قائد الباخرة يعلم القبطانية وحراس السواحل أنه على بعد 100 إلى 200 متر من الصخور الكاسرة للأمواج لحاجز خير الدين. 17:05 دقائق: ربّان الباخرة يبلغ حراس السواحل والقبطانية أنه على بعد حوالي 100 إلى 200 متر من الصخور الكاسرة للأمواج لحاجز خير الدين. 17:10 القبطانية ترسل قاطرة “مصطفى بن بولعيد“ و“يسر واحد“ في اتجاه باخرة “بشار“ لكن هذه القاطرات لم تستطع التقدم بسبب قوة الأمواج. 17:11 دقيقة: قائد الباخرة يبلغ حراس السواحل بأن الباخرة بدأت تغرق وأن المياه بدأت تغمر سطحها وطلب السرعة في نجدة الطاقم. 17:15 دقيقة: الباخرة “بلعباس“ تبلغ برج قيادة الميناء بأن الباخرة “بشار“ أرسلت إشارة الخطر “أس.أو.أس“. 17:17 دقيقة: قائد الباخرة يعلن بأن الباخرة بدأت تميل يمينا والمياه تغمرها، وأنها في حالة خطيرة جدا ويطلب المساعدة. 17:19 دقيقة: قائد الباخرة يبلغ حراس السواحل أنه من الصعب الآن إنقاذ الطاقم بالقاطرات وطلب التدخل بواسطة الطائرات المروحية. كما أبلغ حرس السواحل بأن الطاقم سيتجمع في مؤخرة الباخرة لتسهيل عملية الإنقاذ. 17:24 دقيقة: قائد القاطرة “بن بولعيد“ يبلغ القبطانية أنه لا يستطيع الاقتراب من الباخرة “بشار“، وإن حاول فعل ذلك، سيصطدم بالباخرة أو الصخور. 17:30 دقيقة: قائد الباخرة أبلغ القبطانية، مرة أخرى، أنه اصطدم بصخور حاجز “خير الدين“، مطالبا بتوفير طائرة مروحية لأنها الوسيلة الوحيدة لإنقاذ الطاقم كون الباخرة مالت إلى الجهة اليمنى ويمكن أن تغرق في أية لحظة. 17:30 دقيقة: المركز الوطني لعمليات الحراسة والإنقاذ يتصل بالمركز الجهوي لتنسيق عمليات البحث والإنقاذ بالوسائل الجوية ويطلب إرسال طائرات مروحية لإنقاذ طاقم الباخرة “بشار“. 17:33 دقيقة: مجموعة حرس السواحل تبلغ المركز الوطني لعمليات الحراسة والإنقاذ بأن الباخرة “بشار“ اصطدمت بحاجز خير الدين. 17:35 دقيقة: المدعو “بشير.ب“ يتصل بالمركز الوطني لعمليات الحراسة والإنقاذ للاستفسار عن الإجراءات المتخذة لإنقاذ طاقم باخرة “بشار“، هذا الأخير أبلغ من طرف هذه المصلحة بأنهم سيرسلون طائرتين مروحيتين لإنقاذ الطاقم. 17:43 دقيقة: قائد الباخرة يطلب من حرس السواحل الإسراع في التدخل لإنقاذ الطاقم لأن الباخرة بدأت تفقد التوازن وتوشك على الغرق في أية لحظة. 17:44 دقيقة: المركز الجهوي لتنسيق عمليات البحث والإنقاذ يعلن عن استحالة إقلاع الطائرات المروحية نظرا لسوء الأحوال الجوية. 17:45 دقيقة: قائد الباخرة يبلغ حرس السواحل أن بحارين من طاقم الباخرة رميا بنفسيهما في البحر وطلب إنقاذهما، فخرجت قاطرة “يسر واحد“ للبحث عنهما. بالموازاة، تم إرسال قاطرة “سيدي عبد الرحمان“ لكون محركها أقوى بعد فشل قاطرة “مصطفى بن بولعيد“ و“يسر واحد“ في عملية الإنقاذ. وفي خضم غياب الضابط الميكانيكي، اضطر قائدها للتوجه نحو قاطرة “بن بولعيد“ قصد الاستعانة بضابطها الميكانيكي “س.مراد“. وأثناء محاولة هذا الأخير القفز من القاطرة، تعثر وسقط فوق قاطرة “سيدي عبد الرحمان“ حيث بقيت رجله بين القاطرتين، ما أدى إلى إصابته بكسور بليغة على مستوى رجليه. 17:46 دقيقة: قائد الباخرة يرسل إنذار النجدة مرة أخرى، حسب محطة راديو الجزائر. 17:50 دقيقة: مجموعة حرس السواحل تبلغ المركز الوطني لعمليات الحراسة والإنقاذ عن إصابة الميكانيكي الرئيسي لقاطرة “بن بولعيد“، أثناء محاولة القفز إلى قاطرة “سيدي عبد الرحمان“، الأمر الذي استدعى إرجاعه إلى الميناء لإسعافه من طرف أعوان الحماية المدنية. وهكذا أرجعت القاطرات الثلاثة إلى الميناء، وبالتالي عدم تمكّن هذه القاطرات من شق طريقها في البحر لعشرات الأمتار لمساعدة باخرة “بشار“ التي كانت، في تلك الأثناء، تصارع الأمواج على مستوى “حاجز خير الدين“. 20:00 ساعة: اتصل قائد الباخرة لآخر مرة بضابط القبطانية ليبلغه أن الباخرة تغرق وينقطع الاتصال بعدها نهائيا. في حدود الساعة 20:00، وصل مدير الملاحة التجارية بوزارة النقل حيث ترأس خلية الأزمة. الثامنة وبضع دقائق: إنشاء خلية وزارية على مستوى قبطانية الميناء لمتابعة الأزمة، مكونة من ممثل وزير النقل وممثلين عن مؤسسة ميناء الجزائر، حرس الشواطئ، شرطة الحدود، الحماية المدنية والدرك الوطني. في حدود الساعة العاشرة ليلا، يصل وزير النقل، ويقوم بالاتصال برئيس الحكومة وقيادة أركان الجيش الوطني الشعبي والمديرية العامة للأمن الوطني، قصد البحث عن طائرات مروحية، هذه الأخيرة لم تتمكّن من التحليق لقوة الرياح. 03:00 صباحا: وعلى إثر إجراء اتصالات من على أعلى مستوى بالمركز الوطني لعمليات النجدة والإنقاذ بإسبانيا، تقرر إرسال مروحية إسبانية مخصصة لعمليات الإنقاذ. 04:15 دقيقة، وصول المروحية، قادمة من مدينة بالما، حيث قامت بعدة دوريات بالقرب من باخرة “بشار“ الغارقة، للبحث عن البحارة الناجين، إلا أن العملية باءت بالفشل لعدم تواجد أي بحار بعين المكان. 06:00 صباحا، تمكن البحار “ع.عزالدين“ من النجاة، بعد أن قذفته الأمواج إلى شاطئ السابلات ببلدية الحامة. وبين تاريخ 16 نوفمبر و10 ديسمبر 2004، تم انتشال جثث البحارة 10 مع بقاء 5 أفراد في عداد المفقودين.