في هذا الحوار المثير يتحدث الشاعر والإعلامي الجزائري، عادل صياد، بكل جرأة ودون أي تحفظ عن قضايا الشعر الجزائري الراهن، على ضوء ما أثير مؤخرا حوله من نقاش بأسلوب غير متوقع وغير مهادن.. حيث فتح نيرانا صديقة على اتحاد الكتاب الجزائريين ورموز الشعر الجزائري الحديث باعتباره إياهم مناضلين أكثر من كونهم شعراء. وقد اعتبر شعراء آخرين قامات عالمية وجب إعادة النظر في تصنيفهم، مشككا في الكثير من مسلمات النقاش الحالي حول الشعر الجزائري مفدي زكرياء ومحمد العيد آل خليفة مناضلان وليسا شاعرين.. ثم من قال لكم أن علي ملاحي شاعر !؟؟ أدعو إلى إلحاق ساكني بيت اتحاد الكتّاب بمصالح وزارة جمال ولد عباس يصنع سؤال الشعر في الجزائر الحدث والنقاش الثقافيين من خلال الزوبعة التي أثيرت عبر عدد من المنابر الإعلامية ممتدا في أهم المواقع الالكترونية لا سيما التفاعلية منها، وقرأنا لك فيها مواقف مثيرة تنم عن رؤية نعتقد أنها جديرة بالنشر الورقي. لقد تابعت هذا النقاش عبر يوميتي ”الفجر” و”الخبر” المشكورتين على هذا الإهتمام بموضوع الشعر في الجزائر، ولاحظت أن طرح الكثير من المتدخلين فيه ضحل وغير مؤسس، وهو أقرب إلى كلام المحللين الرياضيين منه إلى كلام الأكادميين، إذ كثرت الأحكام الاعتباطية العامة على التخصيص المنهجي والعلمي. ولاحظت كذلك أن الشعراء وبدل أن يخوضوا في تجربتهم وخصوصياتها راحوا يطلقون ملاحظات وشهادات في حق غيرهم من الشعراء والكتاب، تماما كتلك الإنتقادات الجزافية التي يتنابز بها المدربون الفاشلون فيما بينهم عبر الصفحات الصفراء لليوميات والمنابر الرياضية. من بين الآراء المثيرة للجدل، رأي الدكتور الشاعر علي ملاحي، خاصة فيما اعتبره الكثير انتقاصا من قيمة الشعراء الجزائريين وتجربتهم، بل وتشكيكه حتى في وجود تجربة شعرية جزائرية ناضجة. ما تعليقكم حول المسألة؟ أولا؛ أنا لا أعتقد أن علي ملاحي شاعر.. مثله مثل الكثير من النازحين إلى الشعر على طريقة النزوح الريفي التي أخلت بالوجه الحضري للمدن الجزائرية مع احترامي العميق للريف الجزائري وتمسكي القوي بأصولي الريفية. أما أحكامه الجزافية المتنكرة للتجربة الشعرية النوعية في الجزائر فلم تتأسس على الصرامة العلمية ولم تستند إلى معايير النقد الجاد والموضوعي، وهي بذلك ”بارود عراسي” أطلقه صديق ”مول الباش” الذي يجلس تحته المدعوون للعرس. يعني هذا أن التجربة الشعرية الجزائرية بخير حسب ما يفهم من كلامك؟ أنا لم أقل إن الشعر الجزائري بخير ولست مؤهلا لإطلاق الأحكام على هذه التجربة، ولكني بالمقابل لا أستطيع إلا الحديث عن تجربتي الخاصة مثلما أستطيع أن أقدم شهادات على من قرأتهم بعمق وعرفتهم عن قرب وتبادلت معهم لحظات نوعية في التاريخ، وتشكلت بيني وبينهم تقاطعات دالة مكنتني من الوقوف على فرادتهم وإبداعيتهم واستثناءاتهم. ألا تعتقد أن عدم التخصيص يجعل رأيك مثل كل الآراء العامة التي تتخفى وراء ضوضائها وشموليتها. هل يمكن أن تشخص لنا بعض الأسماء ممن تعتبر أصحابها ذوي تجارب نوعية وناضجة؟ بكل تأكيد؛ أستطيع ذلك ولا أتحفظ من ذكر تجارب رائدة في الجزائر لم تنل حقها من النقد العلمي الجاد الذي يبرزها ويعيها، ويسوقها بالتالي للذوق الوطني والعالمي. فشاعر مثل نجيب أنزار قامة إبداعية جزائرية كبيرة لا تقل شأنا عن تجارب كبار الشعراء في العالم الذين كرّستهم وسائل الإعلام ومختلف قنوات الترويج والتسويق السياسي والتجاري. نجيب أنزار أعظم بالنسبة لي من أحلام مستغانمي ومحمود درويش؛ ونفس انطباعي ينطبق على الشعراء الجزائريين الكبار من مثل المرحومين فارق اسميرة، عبد الله بوخالفة، والأحياء مثل - على سبيل الحصر لا المثال - عمار مرياش، إبراهيم صديقي، نسيمة بوصلاح، رشيدة خوازم، نصيرة محمدي، ربيعة جلطي، زينب لعوج، بوزيد حرزالله، علي مغازي، الطيب لسلوس، ميلود خيزار، عثمان لوصيف، عاشور فني، صلاح طبة، جيلالي نجاري، حسان خروبي وسليمان جوادي.. نفهم من خلال عبارتك - على سبيل الحصر لا المثال - تجاهلا لقامات شعرية مكرسة تاريخيا وإعلاميا من مثل مفدي زكريا ومحمد العيد آل خليفة وغيرهما ممن تضمنتهم مناهج التربية في الجزائر..؟ أنا لا أعتبر من أسميتهما على سبيل المثال لا الحصر شاعرين بقدر اعتباري إياهما مناضلين بالكلمة من أجل القضية الوطنية. كلمة لا علاقة لها بالشعر بقدر ما هي مرتبطة بظرف تاريخي صعب استمدا منه مشروعيتهما. سيعتبر الكثير كلامك هذا تطاولا على قامتين لهما مكانة كبيرة عند الجزائريين، ألا تخشى عواقب هذا الحكم؟ أنا لم أتهم هذين الشخصين بالخيانة مثلما لم أتهمهما بالشعر. الشعر عندي قدرة على المجيء من المستقبل أكثر منه وصفا للراهن وتعبيرا عن المشاعر وطنية كانت أم عاطفية شخصية.. الشعر سؤال مخرب لكل الأجوبة. إجابتك تنصب في ذات المنحى الذي اتخذه مضمون المحاضرة التي ألقاها الشاعر والأكاديمي أحمد بوعلام دلباني، حول تجربة المرحوم عمر البرناوي، بمناسبة المعرض الدولي الرابع عشر للكتاب، وجاء فيها أن البرناوي شاعر رسمي مكرس أكثر منه مبدعا تؤرقه أسئلة الخلق والوجود.. لقد حان الوقت لكي نفرق بين الشعراء المنتمين للوظيف العمومي وأولئك المكرسين من قبل المقاولات المحتكرة لسوق الشعر وصفقاته الوطنية والدولية المفتوحة، وكذا شعراء وأدباء السوق السوداء الموازية ومختلف دور الدعارة الثقافية والأدبية غير الرسمية وحتى الرسمية منها، والفرق بين الشعراء الأصيلين غير المنتمين وغير الرسميين وغير المنبطحين وغير المكرسين ممن لا يخضعون لقانون العرض والطلب والاستجابة الشعرية لمناقصات الفساد المناسباتي. أكثر ما أعجبني جملة قالتها المبدعة هاجر قويدري في وقت سابق حول الشعر، ما معناه إذا لم يكن الشاعر صحفيا مركزيا فهو معلم نائي. هل أنت مع هذا الطرح الحامل بين طياته الكثير من تداعيات الراهن الجزائري الملغم؟ أنا مع طرح هاجر ومع مضمون الرسالة الأخيرة التي كتبها المبدع الكبير السعيد بوطاجين إلى الروائي المتميز عبد العزيز غرمول. فمن يقرأ هذه الرسالة التاريخية المنشورة على صفحات ”الخبر الأسبوعي” يدرك حجم ألمي ومعاناتي ورغبتي في الموت، وكذلك من يقرأ عمود الإعلامي الكبير سعد بوعقبة، وأساطير حدة حزام، والنقطة صفر لشوقي عماري ب”الوطن” وافتتاحية معمر فارح ب”لوسوار دالجيري”، سيشعر مثلي أن الشعر لم يعد تعبيرا عن المشاعر المبتذلة ويتأكد مثلي أنه شيء آخر. فهؤلاء يتحدثون بأسلوبهم الصحفي المتميز عن مأزق الحياة في الزمن الجزائري الراهن، ومثلهم يكتب الشعراء الأصيلون عن مأزق السؤال الجزائري الراهن بعيدا عن العواطف الصادقة والجياشة. هنا الفرق بين الشعر واللاشعر، والفرق بين الصحافة واللاصحافة، والفرق بين التعليم والتعتيم، والفرق بالنتيجة بين الحياة والموت.. بين جزائر الافتراض المعششة في رؤوس الرسميين المتكلسين من العصر الحجري، وجزائر الواقع والراهن المتألمة في نفوس وفي أذهان ضحاياها من الأصيلين. لنعرج ناحية اتحاد الكتاب الجزائريين الذي يبدو أن الموت الإكلينيكي قدَره حتى بعد تنظيم مؤتمره التاسع. هل يستحق أعرق تنظيم أدبي في الجزائر، كان من المفروض أن يكون بيتا يتسع للجميع، هذا المصير وهذه الميتة غير الشريفة؟ هذا البيت لا يسعني وأشعر أني غريب فيه وأنه ليس بيتي، ولا يمكن أن يكون كذلك بأي حال من الأحوال مادام ربه مولودا غير شرعي، ومن يفترض أنهم إخوتي فيه، هم أبناء غير شرعيين من الأيتام مجهولي النسب المدني والإبداعي، وحري بهم الإنتساب لمؤسسات الوزير جمال ولد عباس المتخصصة في الأبناء غير الشرعيين. فأنا لا أعترف بشرعية انتماء المدعو يوسف شقرة للكتاب الجزائريين ولا لقائمة الكتاب العموميين الجزائريين، لأن هذا الشخص مدسوس في سجل الحالة الأدبية والمدنية للمبدعين الجزائريين، وكذلك أتباعه ومريدوه والمتحكمون فيه عن بعد الذين غرسوه كما تغرس سيارات ”طايوان” المزورة في سجلات البطاقات الرمادية، مجرد كائنات مشكوك في هويتها.. وبالتالي أنا مستقيل من هذا البيت المشبوه ولا يشرفني لا الانتماء ولا الانتساب إليه. إنه وللأسف الشديد بيت دعارة غير رسمي. نفهم من كلامك أن الاتحاد أصابه نيماطودا خبيثا تمكن من نخر جسده بصورة تجعل كل المبيدات سواء الوقائية أو العلاجية لا تنفع؟ النيماطودات أصابت كل المؤسسات في الجزائر، ولم يعد ممكنا الشروع في الإصلاح بقدر ما أصبح الانغماس في الفساد هو المرهم الوحيد في الجرح الوطني الغائر بفعل انتشار أعراض الفيروس في كامل الجسد الجزائري. فما الفرق بين إتحاد شقرة وجدال إلغاء عقوبة الإعدام بين لويزة حنون وبوڤرة سلطاني، وجدال صورة المرأة دون خمار أو نقاب أو صورة الملتحين في بطاقات التعريف وجواز السفر البيومتريين بين فاروق قسنطيني والشيخ بوعمران، وكذلك الجدال بين أويحي والوزير حميد طمار، وكذلك الصراع بالهراوات والتهديدات بين النازحين الى اللجنة المركزية لما يسمى حزب جبهة التحرير الوطني. أنا مستقيل ومستاء ومندد ومستنكر وحزين وغاضب من كل ما يجعل بلدي ”سيركا” تافها مثل سيرك عمار (لا أقصد سعيداني) لأنني لا أتصور أن اتحاد الكتاب الجزائريين الذي كان بيت مالك حداد والطاهر وطار ورشيد بوجدرة وزهور ونيسي وأبو القاسم خمار، أن يصير بيتا قصديريا منزوع اليافطة وجب نقله بأهليه إلى سكنات لائقة بإحدى الضواحي. إلى أين تريد الذهاب بهذه النظرة التشاؤمية والتصورية للأشياء والمصير، بل حتى المستقبل من خلال منظارك الذي ينبئنا على انتظار ما هو أسوأ، لا سيما فيما يتعلق بواقع الثقافة عموما واتحاد الكتاب الجزائريين خصوصا؟ أرجوك ألا تحسبني على ما يسمى اتحاد الكتاب الجزائريين، لأنني ابن حلال ولست ابن زنا. وما يبدو لك تشاؤما هو في الحقيقة تفاؤل شخصي بما في الجزائر من إمكانات للنهوض في مقابل مسببات للنكوص والاستسلام إلى النوم العميق وحتى إلى المعتق منه. أنا لست متشائما ولا متفائلا بالمرة، ولكنني حريص على تسمية الأشياء بمسمياتها دونما انتظار لشكر الشاكرين ولا للوم اللائمين.. أنا لست بخير. أنا لست بخير.. هو عنوان نصك الأخير وعنوان مجموعتك الشعرية الموضوعة تحت الطبع بعد كل من ”أشهيان”، ”أصابع الرأس” و”الضحضاح”؟ وهل يوجد برأيك جزائري واحد يقول لك أنا بخير.. إنها حالة من هو ليس بخير، حاولت خلالها أن أتمادى في هذا الشعور والتعبير عنه، مثلي مثل كل الجزائريين المستائين من الماضي، الذي يدعونا إلى الإقامة فيه وتقديسه وتبجيله وتقديمه على الراهن والحاصل والواقع. أنا لست بخير لأنه من السفه والكذب التشمير على سواعد التفاؤل في وقت تنغمس فيه بقية أطرافنا في السوء والتبذير والفساد وانتشار الأوبئة والأمراض والفقر واللاعدل. لقد أصبح الشعر عندي، كما الحياة تماما، جهد للتلازم والتساوق مع اللحظة الراهنة، حيث لا مجال للتعبير عن المشاعر أو الترويح عن النفس بقدر ما صار المجال متاحا فقط على اختراق اللحظة ذاتها والتنويه بها والحفر فيها والتنغيص عليها والتنكيل بها والحرص كل الحرص على ألا تكون لحظة ماضية من الزمن أو مأمولة في المستقبل منه. الرهان كما أتوقعه هو أن يكون الكاتب شاهد عصر على لحظته في حدوثها وتفاعلها. أين أنت من الشعر والإدارة والصحافة والكتابة وما يشاع عنك من الأقاويل بأنك غير مسؤول ومتهور، بل إن إحدى الأنطولوجيات وصفتك بأنك شاعر متوحش؟ شكرا على السؤال، ولكنني لا أتوقع أن الفريق الوطني سيحقق النتائج المنتظرة منه في مونديال جنوب إفريقيا، مثلما لا أتوقع أن يوسف شقرة سيصبح رئيسا لاتحاد الكتاب الجزائريين حينما يجد الجد. وكم يشرفني أن أكون شاعرا متوحشا في زريبة المدجنين من الحيوانات غير الأدبية الأليفة من فصيلة الفئران المخربة للذوق الأدبي الراقي من الفيروسات المستشرية في سوق النخاسة والفساد كما هو شأن وباء أنفلونزا الخنازير.. مع احترامي لكل الخنازير الوطنية. يشرفني أن أكون شاعرا متوحشا في زريبة المدجنين من الحيوانات غير الأدبيّة