بعيدا عن أفغانستان والعراق، يخوض الجيش الأمريكي حربًا من نوعٍ آخر لكن في عقر داره هذه المرة أو بالأحرى حربًا مع نفسه، فحالات الانتحار وسط الجنود العائدين من ميادين القتال باتت تؤرق القادة العسكريين في الولاياتالمتحدة. ففي قاعدة فورت كامبل العسكرية بولاية كنتاكي، جمع العميد ستيفن تاونسند الآلاف من جنود الفرقة 101 المحمولة جوًا ليبلغهم بأن حالات الانتحار وسط العائدين منهم من جبهات القتال ارتفعت بشكل حاد، وليقول لهم بلهجة عسكرية اتسمت بالفظاظة إن هذا التصرف ليس مقبولا. وتنقل وكالة أسوشيتد برس عن العميد تاونسند قوله لجنوده إن “ما يحدث أمر سيئ للجنود وعائلاتهم ولوحداتهم وجيشهم وبلدهم، وينبغي أن يوضع له نهاية الآن.. يجب أن يتوقف الانتحار في فورت كامبل الآن”. وتقول الوكالة إن نبرة تاونسند أشبه ما تكون برد فعل عسكري على وضع “معقَّد مأساوي”. وتعتقد السلطات الأمريكية أن 21 جنديًا من قاعدة فورت كامبل وحدها وضعوا حدًا لحياتهم بأنفسهم عام 2009. وفي السنة ذاتها، أبلغ الجيش عن 160 حالة انتحار، وهو أعلى معدل منذ أن بدأ تسجيل مثل تلك الوفيات عام 1980. ويعاني الجنود العائدون في العادة من الاكتئاب والإجهاد وأمراض عقلية أخرى. وقد رأى قائد المستشفى بالقاعدة العسكرية العميد ريتشارد توماس بأم عينيه آلاف الجنود العائدين من الحرب وقد أثخنت أجساد بعضهم الجروح والبعض الآخر الاضطرابات الانفعالية. وفي عالم العسكرية الذكوري، فإن الندوب التي تخلفها تلك الجراح تحول دون تلقي أولئك الجنود لعلاج مبكر. ومن واقع التجربة التي تعلمها العميد توماس فإن جنودا كثيرين يكونون على استعداد للبوح بما يعانونه من أعراض مرضية إذا ما أتيحت لهم فرصة التحدث وجها لوجه مع الطبيب فور عودتهم من الحرب. وطبقا لوكالة أسوشيتيد برس فإن أعداد المرضى الذين تلقوا علاجًا في مركز الصحة السلوكية بالقاعدة العسكرية ارتفعت بنسبة 60% من 25.4 ألف عام 2008 إلى قرابة أربعين ألفا عام 2009. وللتعامل مع هذه الأعداد الكبيرة من المرضى، زيد عدد الاستشاريين في المركز إلى 60 في العام الماضي من 38 عام 2008.