على ذكر تغيير التاريخ نعود بشريط الذاكرة - اتّصالا بموضوع بوشارب - إلى نماذج من أفلام غيّرت مجرى التاريخ. قد تغيّر السينما بالفعل تاريخ المشتغلين فيها.. قد ترفعهم في كثير من الأحيان إلى مصاف المجتمع المخملي المختلط بمنابر صنّاع القرار وبالتالي تمكّنهم من الإدلاء بدلاء آرائهم وربما حتى أهوائهم في رأي عام قد يغيّر مجرى "التاريخ العمومي" - إن صحّ التعبير- لمجتمع بأكمله، كما حدث مثلا؛ مع الأسطورة السينمائية الأمريكية الفاتنة، مارلين مونرو، من خلال العلاقة التي كانت تربطها بالعائلة "الكينيديّة".. ومثلما قد يغيّر النجاح في السينما تاريخ بعض الفنانين إلى الأحسن، مثلما قد يغيّر الفشل في السينما أيضا تاريخ بعض الفنانين إلى الأحسن! وقد يتغير بذلك تاريخ شعوب بكاملها أيضا، مثلما حدث مع الفنان الهوليودي الفاشل والرئيس الأمريكي الناجح - إلى حدّ ما - رونالد ريغن! كيف ذلك؟ يحتل فيلم ''الدار البيضاء أو"كزابلانكا'' (1942) المركز الثاني في قائمة معهد الأفلام الأمريكي لأفضل 100 فيلم أمريكي. وهذا الفيلم هو واحد من أكثر ثلاثة أفلام شعبية عند الأمريكيين، إلى جانب فيلمي ''ذهب مع الريح'' (1939) و''ساحر أوز'' (1939). ومن المفارقات أن فيلم ''الدار البيضاء'' الذي رشح لثمان من جوائز الأوسكار وفاز بثلاث منها، كان مرشحا لبطولته الشاب اليافع حينذاك، رونالد ريغن، قبل أن يعرف الفيلم اضطرابات كثيرة في اختيار مخرجه وممثليه الذين تم تغييرهم مرارا، قبل أن يقع الاختيار على المخرج المجري المولد مايكل كيرتيز. وأبطال الفيلم همفري بوغارت وإنغريد بيرغمان وبول هنريد، الذين حلوا محل ممثلين آخرين، منهم الشاب ريغن.. ويثير استبدال رئيس المستقبل الممثل رونالد ريغن في بطولة فيلم ''الدار البيضاء'' بعض التساؤلات. فبالنظر لسيرة رونالد ريغن السينمائية - من الدرجة الثانية - على مدى السنين العديدة التي عمل خلالها في استوديو الأخوة وارنر، فإن السؤال الذي يخطر على البال هو: لو أن رونالد ريغن قام ببطولة فيلم ''الدار البيضاء''، وازدادت شهرته نتيجة لذلك، فلربما كان قد قرر عدم الاتجاه نحو الاهتمام بالسياسة التي يعتقد على نطاق واسع أنه بدأ يهتم بها منذ أربعينيات القرن الماضي لأنه فشل في الصعود إلى النجومية السينمائية.. كاد فيلم ''الدار البيضاء'' إذن أن يغيّر التاريخ ..