عندما تلتقي سينوغرافيا زعبوبي وتجربة صونيا مع طموح شباب مسرحي جديد، فلابد أن تغريك هذه التوليفة الركحية لدخول مسرح "محي الدين باشطرزي" سهرة أول أمس، لمشاهدة العرض الأول في إطار منافسة المهرجان الوطني للمسرح المحترف في طبعته الخامسة. رفع مسرح سكيكدة سقف المنافسة عاليا، من خلال عرض غير نمطي ومبتكر رغم اعتماده على نص مقتبس، جزأره بنجاح الكاتب خالد بوعلي، وانسجم معه شباب مسرح سكيكدة، في بعثة جديدة أكدت من خلالها المديرة الجديدة والممثلة والمخرجة القديرة صونيا، ميلاد ركح جديد في شرق البلاد بإمكانه إعادة أمجاد ''ڤالوا لعرب ڤالو'' و''الشهداء'' و''فاطمة''. عرض "أمام أسوار المدينة" برمزية نصّه والابتكار في الديكور العمودي الذي كسر به زعبوبي نمطية القاعدة الركحية الأفقية، من خلال جدار مسيّج يشكّل "أرضية" الممثلين، ويعطي للجمهور انطباعا بأنه يشاهد العرض من الأعلى نحو الأسفل، وهي الميزة التي أعطت بعدا ثالثا للركح، أخرج المتلقي من نمطيّة الرؤية، إلى اختراق زاوية "أفقها عمودي" وجعلت من الأرضية الواسعة سماءً نحتيّة للجدار.
هذا الجدار أو السور المؤثث بالجنود، والذي يمثل روح العرض، استطاع أن ينسينا ذلك الفراغ الركحي الكبير الذي ملأته فوضى تحرّكات ''حورية الوازنة'' (أدت دورها الممثلة نادية لعريني) والتي تمكنت رغم كثافة النص من مطاردة أفكرها السردية في كل الاتجاهات، باحثة عن زوجها الجندي الذي ضيّعته وراء أسوار المدينة، بعد أن جنّده عسكر الإمبراطور. وهنا تدخل شخصية الإمبراطور الغائب الحاضر، في رمزية السور الذي يحرسه الجنود المتشابهون في الزيّ والأقنعة والمتناقضون في ارتباطهم بأسوار المدينة التي شكّلت سجنهم الذي يحرسونه!
ضاع إذن زوج حورية في خضمّ الشبه، وتحت قيد الإمبراطور "خاطف الرجل من حضن حبيبته"، ضاع "حسين الليل" زوج حوريّة (الفحلة، الزينة، الشريفة، الوفيّة).. ضاع لأجل قضية لا تعنيه، قضية تعني الإمبراطور المختبئ وراء أسوار المدينة.. تتسارع الأحداث لتدخل في عتمات التناقض العبثي.. فحوريّة (الفحلة، الزينة، الشريفة، الوفيّة) لن تقبل العودة بلا حسين الليل، ولو كان هذا ال"حسين" رجلا آخر من بين حرّاس السور، يتواطأ معها للهروب من قيد السجن الإمبراطوري.. ويدخل معها في تمثيلية يساير فيها حبكة حورية، التي تسترجع مع حسين الجديد ذكرياته التي لم تعشها معه.. ! هل يعوّض حسين الجديد، حسين حورية السابق؟ هل يقتنع الحراس بأن حسين الجديد هو حسين حورية؟ هل يتحرّك السور لكي تواجه حورية الإمبراطور؟ هل كانت حورية تبحث عن الحبيب أم عن الرجل؟ أسئلة كثيرة ومتشابكة لم يعمل طاقم صونيا على فكّها، بقدر ما عمل على تجسيدها بامتياز، من خلال نص محكم وسينوغرافيا مبتكرة وكوليغرافيا جميلة وغير مبتذلة، من المنتظر أن تجد لها مكانا في كراسي التتويج في أول خرجة رسمية لمسرح سكيكدة الجهوي.