زارت ”الفجر” حصن تمنتفوست التاريخي، فاكتشفت جمال وروعة هذا البرج العظيم، الذي زاد من جمالياته موقعه الاستراتيجي المطل على شاطئ تمنتفوست السياحية، وقد حافظت عملية الصيانة على رونقه وتميزه، كما أن الموقع الذي شيد عليه هذا الحصن يمتاز بالبرودة صيفا والدفء شتاء، وهذا ما شعرنا به ونحن نتجول في أرجائه، وهو ما أكدته لنا إحدى العاملات بهذا الحصن، التي شرحت لنا كثيرا من الأمور باعتبارنا زوارا ولسنا من الصحافة. مدخل الحصن يشبه بناء المنزل العاصمي العثماني، أي بهو يحيطه رواق، تفتح عليه غرف جنود الانكشاريين الذين لم يكن يتجاوز عددهم 16 فردا المسماة ”السفرة”، ويجدون به كل المرافق العامة، كالمطعم والمطبخ والحمام والمصلى والسجن ومخزن الذخيرة وقاعة الاستقبال ودار البارود، التي كانت أسفله. أما أعلى البرج فيزدان بفتحات عريضة، فهي فتحات مدفعية وأخرى في جدرانها كانت تستعمل للبنادق الطويلة، وكان يحيط بالحصن خندق مائي طوله ثمانية أمتار وعرضه ما بين 8 و9 أمتار، وجسر متحرك لحالات الهجوم المفاجئ. وللإشارة، فقد قنبلته الأساطيل الأوروبية عدة مرات، خاصة الفرنسية منها سنوات ”1685.1688م” وكذا الزلازل منها زلزال 1717 وزلزال 2003، ولكن أعيد ترميمه في كل مرة، وكان آخر ترميم عرفه الحصن سنة 2004، سواء من ناحية ساحة السطح، وملأت فتحات الحجارة التي بني بها جدار الحصن، والذي سقط جزء منه على إثر زلزال ماي 2003. كما تم تصنيف حصن تمنتفوست سنة 1952 كموقع أثري. أما الموقع الأثري لرسوقونيا، الاسم القديم لتمنتفوست، فقد تم مؤخرا تصنيفه من قبل وزارة الثقافة وتحصل على المرتبة 52، حيث دشّن كمتحف للآثار كما استرجعته الوزارة سنة 1999 من وزارة الدفاع الوطني سنة 1989 ليكون بعد ذلك إدارة للمقاطعة الإدارية الأثرية لولاية الجزائر بومرداس والمدية. للإشارة فقط، فإن حصن تمنتفوست ولمكانته الاستراتيجية وموقعه المنيع، فقد شيّدت الدولة الجزائرية المدرسة العليا للقوات البحرية والموجودة في أعالي هضبة تمنتفوست ببلدية المرسى الواقعة شرق الجزائر العاصمة... وبما أنّ تطور الأسلحة ينتج دائما عن تطور البناء العسكري، فإنّ ابتكار المدفع تطلّب إنشاء حصون قليلة الارتفاع حتى تكون في منأى عن طلقات المدافع، وقد يكون برج أو حصن تمنتفوست أحسن دليل على ذلك، ولو أن الشكل الهندسي العام فريد من نوعه، فهو دائري اتخذ شكل الرأس ”صحن” لأن البحر يحيط بالموقع الذي بني فوقه، فكان الشكل الدائري مناسبا للمراقبة الجيدة لكل الاتجاهات، كما يلاحظ من الخارج الحجارة الرومانية التي جلبت من آثار روسقونيا لبناء جدرانه، أما من الداخل فبني بالحجارة الطبيعية، أي غير مصقولة، مع مزيج من مواد البناء الأخرى. وتعود منطقة تمنتفوست إلى فترة تاريخية عريقة تصل إلى ما قبل التاريخ، حسب القطع الأثرية التي عثر عليها وهي محفوظة في متحف مدينة الجزائر. وفي القرن السادس قبل الميلاد جعل منها القرطاجيون، محطة تموين، وأطلقوا عليها اسم ”روسقونيا” المشتقة من كلمة ”روس” أو ”رأس ومن” الكلمة البربرية التي تعني ”الأدغال”، بمعنى ”رأس الأدغال”، أما المصادر اللاتينية فتذكر أن الإمبراطور ”أغسطس” جعل منها مستعمرة رومانية في نهاية القرن الأوّل قبل الميلاد، وغزاها الوندال في نهاية القرن الخامس، ثم أعاد بناءها البيزنطيون في القرن السادس. وذكرها الإدريسي في القرن الثاني عشر، باسم ”تادمفوسي”، وهي تحريف لاسم ”تمنتفوست” المشتقة من الأمازيغية، والتي تعني ”اليد اليمنى”. وجغرافيًا تعني ”الجهة اليمنى”، بمعنى أن تمنتفوست تقع يمينا لمدينة الجزائر. ويصفها على أنها ميناء جميل بقرب مدينة صغيرة، وفي القرن ال 16 ذكرها كتاب الحوليات الإسباني ”قومالا” على أنها مدينة بها منازل عديدة ومعابد وقنوات مائية قديمة وضخمة وجميلة. وفي القرن السابع عشر، يصفها الرحّالة الإسباني ”مارمول” على أنها كانت في قمّة أوجها أيام الرومان، ولا يعود ذكرها إلا في حملة شرلوكان سنة 1041 بعدما لجأ إليها بعد هزيمته الذريعة، وأنشأ بها ”حامية عسكرية”، دون معرفة موقعها بدقة، لكن المعروف أن المنطقة استقرت بها حامية عسكرية استغلت السلطات آثار المدينة لبناء بعض المنشآت الحربية بالجزائر، كميناء ”رصيف خير الدين بربروس”، كما ساهمت آثارها أيضا في بناء حصن ”تمنتفوست” الذي بنته السلطات العثمانية سنة 1660، يشرف على البحر ليكون نقطة عبور مراقبة للسفن الداخلة والخارجة من وإلى جوف الجزائر، كما أنها نقطة مراقبة للأفق في حال قدوم أو شنّ هجومات بحرية، ويعتبر واحدا من سلسلة الحصون التي أنشئت على طول ساحل مدينة الجزائر شرقها وغربها للدفاع عنها وتعزيز النقاط الدفاعية بها.