تحافظ العائلات البليدية بباقة عريقة من التقاليد الإجتماعية المرافقة للمناسبات الدينية، لعل أبرزها تلك الممارسات العتيقة التي تسبق وترافق شهر رمضان الكريم إلى غاية الأيام الأولى للإفطار من شهر شوال وبالرغم من إدخال العديد من التقنيات الحديثة في طرق التحضير لاستقبال شهر رمضان، إلا أن البلديين، يحافظون كل بطريقته، على تراث أجدادهم في استقبال شهر الرحمة والغفران للظفر بفرصة للعتق من النار، وأخرى لإعادة العلاقات الاجتماعية إلى سائر عهدها. تنافس لإبراز مواهب الطبخ وحسبما جاء في موقع الإذاعة الجزائرية، فمع حلول أول أيام رمضان، يتفنن الرجال - على غرار النساء - في الطبخ في هذا الشهر، حيث تنمو روح غريبة للتنافس بين الجميع لإبراز مواهب الطبخ وأسرار إتقان الأكلات القديمة المعروفة في المنطقة أبرزها ”صبيعات العروسة” والذي يعتبر طبق ”شباح الصفرة”. ولا تغيب ”شربة المقطفة” المصنوعة يدويا في رمضان في البليدة، حيث تعتبر الطبق الرئيس للموائد مرفوقة بالبوراك وطبق ”اللحم الحلو” الذي تشترك فيه العديد من مناطق الوطن. وتحتفي العائلة البليدية بأول يوم يصوم فيه أبناءها بتقليد مميز يرسخ فريضة الصيام في روح وفكر الأطفال بطريقة سلسة ومقدسة لهذه الشعيرة، وتشجيعا للصائم الصغير تقام وجبة خاصة واحتفالية عائلية تقدم فيها الهدايا. الشاربات.. رحيق مائدة الفطور عند الحديث عن رمضان في البليدة، لا يمكن إغفال أشهر مشروب وأقدمه فيها هو ”الشاربات” التي تقدم مع كل الوجبات وحتى مع الحلويات بالنظر إلى الراحة والإنتعاش الذي تعطيه هذه المشروبات، لاسيما للمصابين بالتخمة أو القلق. وتصنع ”الشاربات” بمزيج طبيعي لمكونات فاتحة للشهية وأخرى ملطفة كالليمون وأزهار الياسمين أوالفل مع المياه الباردة وتحلى بالسكر، إلا أنه وفي الوقت الراهن خرج المشروب من التقليد المنزلي للبليدين ليصنع في معامل غذائية ويوزع على مناطق كثيرة من الوطن. إقبال على المساجد وتهافت للصلاة وراء الإمام البليدي وتتميز مدينة البليدة بإقبال كبير على صلاة التراويح في مسجدها الكبير مسجد ”الكوثر”، ليس فقط لموقعه الجيد أو لطابعه المعماري الذي يجمع بين العراقة والفخامة، بل للجو الروحاني الذي يسوده حين يؤم الشيخ محمد بن عبد القادر البليدي فيه بالمصلين. وعرف الشيخ محمد بن عبد القادر البليدي بصوته الرخيم حين كان مؤذنا في مساجد المدينة، وبالرغم من بلوغه 83 سنة إلا أنه لا يزال يستقطب المصلين من عديد المدن المجاورة من البليدة بالنظر إلى الوضوح الذي تتسم به تلاوته ونبرة الخشوع التي تبكي المصلين وراءه. ويعتبر رمضان فرصة للم شمل أفراد العائلة بالجيران والأصدقاء في سهرات ترفيهية تقام بعد صلاة التراويح، والتي تختلف بحسب نوعية الضيوف والأماكن المقامة فيها، فمنهم من يفضل الإستماع إلى أغاني الشعبي العاصمي أو قصائد العناء الأندلسي أو الحوزي. كما أن هناك من يفضل الاستمتاع بالجو العائلي الذي يملأ بلقاءات تجمع بين أفراد العائلة على موائد مشكلة من الحلويات والنكت والأحاجي والبوقالات التي لا تغيب عن أي بيت بليدي. في البليدة.. لا سهر دون بوقالات وتبرز ”البوقالة” كإحدى مكونات التراث الشفهي الجزائري، وقد تناقلتها العائلات جيلا عن جيل وتستعمل في أوقات التسلية والترفيه والمناسبات السعيدة للترويح عن النفس واستشراف أيام الفرح والفرج لأنفسنا ولكل من نعرفهم، فهو التراث الذي يجمع بين التسلية والبلاغة اللغوية والحكمة والتفاؤل في نفس الوقت. ويزيد نشاط العائلات البليدية أياما قبيل انقضاء الشهر الفضيل استغلالا لفرصة فضل الأيام العشر الأواخر، واستعدادا لعيد الفطر المبارك الذي يستقبل في البليدة بحلويات المقروط والتشاراك وكذا الحنيونات التي تهدى للأطفال. رمضان في البليدة، وإن اختلف مع مدن أخرى جزائرية في طرق التحضير له أو في إحياء سهراته ولياليه وأكلاته، إلا أنه يبقى جامعا في صميمه لكل ما يبتغيه المسلم من قربان لله بالصوم والصلاة وصلة الرحم، وهي الميزة التي لا تغيب في كل شبر من الجزائر.