محمد الشريف سعيدي ابن شهيد وإطار في جبهة التحرير أيام الحزب الواحد.. غادر أجهزة الدولة بعد أحداث أكتوبر وما آلت إليه أمور البلاد بعد العشرية السوداء! وفتح ابن الشهيد الشهم مكتب موثق في حي بن جراح الشعبي.. ولم يكن المسكين يدري أن هذا المكتب سيكون سببا في إدخاله وابنه السجن لسنوات.. وتشرد عائلتاه الصغيرة والكبيرة.. ثم يشاء القدر أن ينتقل الطائر الحر - الذي سجن بالتأكيد ظلما - إلى رحمة الله إثر سكتة قلبية! لأن قلبه الكبير لم يتحمل أن توجه إليه تهمة الإجرام هو وابنه في وقت واحد! وهكذا مات الأب وبقي الابن.. ابن شهيد ثان لابن شهيد راحل في السجن! عرفت المرحوم عندما كان يجري اتصالاته مع أبناء الشهداء سنة 1990 لإنشاء المنظمة الوطنية لأبناء الشهداء.. تعرض رحمه الله لضغوط عديدة من أجل ترك فكرة إنشاء هذه المنظمة ولكنه واجه الأمر بشجاعة نادرة.. وقاوم وأنشأ مع رفاقه هذه المنظمة التي لم تفعل شيئا له عندما زج به وبابنه في السجن! قد يكون المرحوم محمد الشريف ارتكب أخطاء في مهنته كموثق.. وقد يكون لابنه ضلع في هذه الأخطاء.. لكنها تبقى أخطاء.. ولا يمكن أن ترقى إلى درجة الجريمة التي تؤدي إلى الزج بالأب والابن في السجن في وقت واحد! أعرف المرحوم جيدا ولا يمكن أن يكون مجرما بهذه الصورة المؤسفة.. ولابد أن هناك أخطاء في مرحلة ما من مراحل المقاضاة أو توجيه التهمة! منذ شهور عندما سمعت من أحد رفاقه في المنظمة خبر سجنه مع ابنه قلت لمن نقل لي الخبر: لا أستطيع أن أتصور أن مثل محمد الشريف سعيدي، أو حتى ابنه، يمكن أن يرتكب ما يستحق عليه الحكم القاسي هذا! وتواعدت مع من نقل إلي الخبر أن نسعى لتبين الحقيقة لعل الرجل وابنه ضحية مؤامرة أو سوء فهم أو خطإ ما! لكن الأجل سبقنا إليه في السجن فتوقف قلبه عن الخفقان! نعم من يتعرض لما تعرض له محمد الشريف سعيدي لابد أن يموت بقلبه.. فمثله لا يموت بجسده بل يموت بقلبه.. ولابد أن يأتي اليوم الذي تعرف فيه حيثيات سجن هذا الشهيد ابن الشهيد!