تحظى المدارس العتيقة التي تزخر بها مدينة تلمسان بعناية خاصة في عمليات الترميم الواسعة النطاق التي تشهدها الولاية حاليا، تحسبا لتنظيم التظاهرة الدولية “تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2011”. وتشمل هذه العمليات، التي تشرف على تنفيذها مكاتب دراسات وفرق تقنية وطنية متخصصة، مختلف المدارس القديمة التي شيدت في القرون الماضية وبقيت شواهد أثرية حية على الحضارة الذهبية التي عرفتها المنطقة. فقد كانت هذه المدارس، خلال عهود خلت، تشكل المؤسسات التعليمية التي ساهمت بقسط وافر في نشر العلم والثقافة كمركز إشعاع، وصل صداه التنويري إلى المشرق والأندلس على السواء. وترمي عملية الترميم، بالدرجة الأولى، إلى إنقاذ هذه الصروح الثقافية النفيسة وإبراز قيمتها التراثية ومكانتها في المجال العلمي والتعليمي، حسب تصريح مسؤولي مديرية الثقافة، الذين ذكروا أن تلمسان قد عمدت، على غرار بعض المدن المغاربية الكبرى، إلى تشييد مثل هذه المؤسسات العلمية لمواكبة الحركة الفكرية المزدهرة التي عرفتها لفترة طويلة واستقبال العلماء والطلبة الذين كانوا يقدمون إليها من كل فج وصوب من أجل التدريس أو تلقي العلم الشيء. وقد سمح هذا الدور لهذه المدينة العريقة بأن تجمع رصيدا هاما من المدارس العتيقة، منها المدرسة اليعقوبية والتاشفينية والخلدونية والمطمرية. ومن هذه المدارس ما هو شامخ إلى حد الآن يشهد على تلك الحقبة الزاهرة ويروي مآثرها للأجيال رغم التغييرات التي طرأت عليها عبر الزمان، مثل مدرسة اليعقوبية، التي افتتحت في سنة 679 ه الموافق ل 1296م في عهد عثمان بن زيان، الذي خلف يغموراسن. ولا تزال هذه المدرسة تحتفظ ببعض ملامحها الأثرية النفيسة من نقوش وزخرفة ولواحق تعليمية وثقافية. كما هناك مدرسة أبي إمام يحي المطمر التي افتتحت سنة 710 ه الموافق ل 1310 م، أي في عهد أبي حمو موسى الأول بن عثمان. وهناك أيضا مدرسة العباد التي افتتحت في سنة 748 ه، وقد أقيمت ثمانية سنوات بعد إعادة بناء مسجد العباد قرب ضريح سيدي أبي مدين شعيب، والتي صار يطلق عليها اسم “الخلدونية” نسبة للعلامة عبد الرحمن بن خلدون الذي يقال إنه درس بها مدة سنين، وتعاقب عليها علماء وأدباء كبار، أمثال المقري والتنسي. وهناك مدارس لم تتمكن من مقاومة الزمان وعبث الإنسان، حيث هي الآن في شكل أطلال وآثار تنبغي المحافظة عليها، منها مدرسة سيدي لحسن أبركان التي لم تبق منها سوى منارة مسجدها، ومدرسة سيدي الحلوي، وكذلك مدرسة منشر الجلد. و هناك مدارس دمرت واندثرت، ولم يبق سوى ذكرها في العديد من المخطوطات، كما هو الشأن بالنسبة للمدرسة التشفينية التي افتتحت في سنة 720 ه الموافق ل 1320 م في عهد أبي تاشفين عبد الرحمن الأول ابن أبي حمو موسى الأول، وكانت تسمى مدرسة القصر الكبير، أوالمدرسة الجديدة. وحسب المعلومات المتوارثة، فإن موقع هذه المدرسة كان بين المشور والجامع الكبير لمدينة تلمسان. وكان بينهما وبين القصر الكائن بالمشور نفق أرضي يسمح للسلطان وحاشيته بالتوجه إلى هذه المدرسة بعيدا عن أنظار العامة. وقد ظلت هذه المدرسة شامخة لأكثر من خمسة قرون ونصف تؤدي دورها الإشعاعي والمعرفي، إلى أن جاء الإحتلال الفرنسي ليدمرها ويبني مكانها في سنة 1873 مقرا للبلدية وساحة عمومية.