عندما يتعلق الأمر بصحة الإنسان يهون كل شيء.. فلا المال و لا أي شيء آخر يعوضها، ليصدق المثل القائل إنها تاج على رأس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، الذين كانوا إلى وقت ما يتمتعون بعافيتهم قبل أن تنقلب حياتهم رأسا على عقب جراء ظهور مرض كان ينخر أجسادهم دون أن يحسوا به وإذا كُنا قد تعودنا على مثل هذه الأمثال، فإن هناك شعارات موازية لها طالما نادى بها الأطباء، ومنها ضرورة التقدم لإجراء فحوصات طبية شاملة كل ستة أشهر، أي مرتين في العام، لتفادي أي مفاجآت مستقبلا.. غير أن هذا النداء يبقى فارغا من محتواه عندما نسمع عن الإحصاءات السنوية للأمراض، وهي في آخر مراحل تقدمها، مع كل ما يرافق معاناة المريض وذويه من حسرة على عدم اكتشاف المرض في وقت مبكر، كان بالإمكان أن يحمل معه أملا في الشفاء. قد يعود الأمر إلى غياب ثقافة صحية أو إهمال شخصي، لكنه واقع موجود.. فقليلون هم، أو يكادون يعدون على الأصابع، من يبادرونك بالقول إنهم يقومون بفحوصات شاملة بصفة دورية. وقد يقول أحدهم ما الداعي لذلك ما دمت أتمتع بصحة جيدة، أما إذ واجهته بالقول إن الجزائر تحصي قرابة 40 ألف حالة سرطان جديدة كل سنة، فقد يتوقف الواحد منهم للتفكير برهة.. وكيف سيكون حاله لو كان رقما من هذا العدد. وإذا كان سرطان الثدي يصيب امرأة من ثمانية في البلدان المتقدمة، فإنه في بلدنا أيضا يخلف 7000 حالة جديدة كل سنة، أي بما يعادل 20 حالة يوميا، ما يعني أن 20 امرأة تتلقى خبر إصابتها بهذا الداء الخبيث يوميا.. ما يؤكد أن الكشف المبكر للإصابة سيمكن من تفادي الكثير من التعقيدات و الحسرة.. حسرة انتابت أحلام وهي تحدثنا عن وفاة والدها منذ أيام، قائلة لنا:”لم يكن أبي يعاني من أي مرض بالرغم من أنه ناهز 79 سنة من العمر، ماعدا آلام بالمعدة لم يعرها أي أهمية، قبل أن يكتشف أن الأمر يتعلق بسرطان الكبد الذي أتى عليه، ولم يمنحه أي فرصة لإجراء عملية لاستئصال المرض.. وما يواسينا الآن ما قاله لنا طبيبه أن والدي لم يعش طويلا ليعاني من آلامه الفظيعة. حالة عمي محمد رحمه الله، والد أحلام، لا تعد الوحيدة من نوعها، فكثيرون من يحسون عوارض المرض يتجاهلونها على أمل الشفاء الطبيعي، رغم أن الأمر قد يكون إنذارا من جسم الإنسان بأن هناك خللا لابد من الوقوف عنده، ليتجاوز بذلك الأمر غياب ثقافة الكشف الدوري في كل ستة أشهر إلى اعتقاد خاطئ بأن المرء بعيد عن الإصابة. عن هذا حدثتنا سعاد، إطار من جامعة البليدة، والتي أصيبت بورم على مستوى الرأس، قائلة لنا إنها لم تكن تشتكي من أي شيء قبل أن تفاجأ بالطبيب يخبرها أن الداء نال منها لدرجة أن عملية استئصال الورم لا تحتمل أي تأجيل، مضيفة أنها لم تذهب لمعاينته إلا بعد أن زادت آلامها بشكل حاد جدا. وبالرغم من تقبلها لإصابتها وشجاعتها التي لا توصف وهي تخبرنا عن رغبتها في المقاومة، إلا أنها عادت لتؤكد لنا أهمية الفحوصات الدورية التي كان بالإمكان أن تعفيها من معاناتها اليوم. وإذا كانت عقلية الكشف الدوري منحصرة على الحوامل، أو من يرغبون في الحفاظ على أسنان جميلة، فإن تعميم الفكرة يبقى أكثر من واجب، حتى لو اعتقد الكثيرون أن الأمر لا جدوى منه.. فما الذي يمنع المرض- حسبهم - من الظهور بعد زيارة الطبيب مباشرة، في حين قد يتحجج البعض الآخر بعدم الثقة في الأطباء الذين قد يجدون لك ألف علة وأنت بصحة جيدة، دون الحديث عن تكلفة تلك الفحوصات الشاملة التي تفوق إمكانياتهم المادية، بالرغم من اقتناعهم بجدوى الفكرة.