أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي حول حرية الأديان في العالم، دون أن يخلو من الانتقادات الموجهة إلى دول عربية وأوربية على حد سواء، بسبب ما اعتبرته واشنطن قمعا لحرية التعبير الدينية، ورغم اعتراف التقرير بكون احترام حرية الأديان مكفول قانونا في الجزائر، وبتحسن معاملة ب”الأقليات” 22 كنيسة تنشط في السر ومسؤولون يخفون ديانتهم للحصول على ترقية والمجاهرة بالردة خطر عدد المسيحيين المصريين في البلاد يتراوح ما بين 1000 و1500 حسب وصفها، إلا أنها وجدت “اتهامات” توجهها للجزائر، من خلال العودة إلى “قضايا قديمة “ تتعلق بالتبشير، غلق أماكن العبادة غير المرخص بها، عدم اعتماد عدد من الجمعيات غير الإسلامية، ومنع غير المسلمين من الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى عدم وجود غير المسلمين في وظائف سامية. جاء في نص التقرير المنشور على موقع الخارجية الأمريكية، أن المرتدين عن الدين الإسلامي في الجزائر يخفون اعتناقهم ديانة أخرى، كالمسيحية مثلا، وقدمت تبريرات لذلك، كخوفهم على أمنهم وسلامتهم الشخصية من “المتطرفين الراديكاليين“ واستمرار الإرهابيين في تنفيذ عملياتهم باسم الدين، وكذا الخوف من التعرض لمشاكل قانونية واجتماعية، وأن المسؤولين في مناصب عليا أكبر المتخوفين من انتمائهم الديني غير الإسلامي، وعلى النقيض، ذكر التقرير الأمريكي أن المجتمع الجزائري يتسامح عموما مع الأجانب والمواطنين الذين يدينون بديانة غير الإسلام. وانتقد معدو التقرير ضمنيا الذين اعتمدوا، حسب تعبيرهم، على لقاءات مع مسؤولين حكوميين وممثلين عن المجتمع المدني وتقارير صحفية، منع نشاط التبشير، وجاء فيه أن الحكومة الجزائرية تسمح لجماعات “المبشرين” بالقيام بنشاطات إنسانية وتمنعها من التبشير، وأشارت إلى منع دخول كتب مترجمة باللغة العربية والامازيغية، حول ديانات أخرى غير الإسلام، وزعمت واشنطن أن المخاوف من الإرهاب تسببت في تضاؤل عدد الجالية اليهودية إلى أقل من 2000 شخص خلال 16 عاما، فيما قدر عدد المسيحيين واليهود مابين 12000 و50000، وبالمقابل قدر التقرير عدد المسيحيين المصريين الذين يعيشون في البلاد ما بين 1000 و 1500. التقرير أحصى بعض الايجابيات في معاملة الحكومة للأقليات الدينية بشكل “هامشي”، كتوقف مقاضاة أفراد من الأقليات وعدم اعتبار الردة عن الإسلام جناية، تعاون السلطات مع الأعيان الدينية المسيحية، تقديم وزارة الشؤون الدينية والأوقاف للمساعدات الممكنة لهؤلاء، إعادة فتح 25 معبدا وإقامة أول قداس حضره دبلوماسيون وغربيون. وعاد التقرير في انتقاداته التي لم يسلم منها حتى حلفاء واشنطن بدعوى حماية حقوق الإنسان، إلى قضايا طويت في الجزائر منذ سنوات، منها ما تعلق بقانون الأسرة الذي ألغى شرط الولي واشترط موافقة الزوجة والقاضي في تعدد الزوجات، وجاء في التقرير أن هناك تمييزا ضد المرأة ومعاملتها على أنها “قاصر تحتاج إلى وصي”، قضية الميراث وحرمان المرأة من الزواج بغير المسلم، ما يعد في الأصل مساسا بحرية الآخرين وتهكما على الدين الإسلامي، ولفت التقرير إلى أن حظر النقاب الذي أقرته السلطات الفرنسية ولاقت بسببه انتقادا أمريكيا، ممنوع في الجزائر أيضا، وهو محظور على الموظفات ومسموح لهن بالحجاب فقط الذي منع عليهن في بعض القطاعات. وفي السياق، انتقد التقرير منع ترشح غير المسلم إلى منصب رئيس الجمهورية، رغم كون الأمر مفهوم بالنظر إلى أن الدستور الجزائري ينص على كون الإسلام دين الدولة، فمن المنطقي أن يكون الرئيس مسلما، وأن يكون رئيس دولة مسيحية مسيحيا، كما انتقد التقرير عدم ترقية غير المسلمين إلى مناصب عليا، واعتبر أن هذه الممارسات تدفع بهم إلى إخفاء انتمائهم الديني. وعبر التقرير عن قلق واشنطن إزاء امتناع السلطات الجزائرية عن اعتماد 12 جمعية دينية غير إسلامية، وأشار إلى أن البيت الأبيض الذي تلقى توضيحا من طرف السلطات الجزائرية بشأن تأجيل تسجيل عدد من الجمعيات إلى غاية مراجعة قانون 73 المتعلق بالجمعيات، ستواصل مناقشة الملف مع المسؤولين في الجزائر، وانتقد بشدة ما وصفه بالبيروقراطية التي تعيق بعض الجمعيات المسيحية للامتثال لقانون تنظيم ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين. وفي السياق، كشف التقرير عن النشاط التبشيري السري، حيث أشار إلى ممارسة 22 كنيسة نشاطها خفية، كونها مغلقة، بسبب عدم اعتراف السلطات، كما لفت التقرير إلى الإقدام على غلق 43 موقعا يستخدم للعبادة الإسلامية بسبب عدم حصوله على ترخيص. وبالمقابل، ثمنت الخارجية الأمريكية جهود الحكومة في وقف الخطاب المتطرف، من خلال مراقبة الخطب وتوحيدها، معاقبة الأئمة المخالفين، غلق المساجد خارج أوقات الصلاة، ومراقبة كل الأنشطة في المساجد، تفاديا للجرائم المتصلة بالأمن، واعتبرت أن من الايجابيات، عدم تسجيل سجناء لأسباب تتعلق بالانتماء الديني أو حالات تحول قسري عن الدين. نسيمة عجاج وصف تقرير الخارجية الأمريكية بالفاقد للموضوعية والمتناقض، قسنطيني ل “الفجر”: انتقاد منع غير المسلم من رئاسة الجزائر مساس بالدستور وتدخل في الشأن الداخلي لماذا لا تنتقد أمريكا تجاوزاتها ضد كل ما يشير إلى الإسلام أو يتعاطف معه؟ أكد رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، الأستاذ فاروق قسنطيني، أن انتقاد تقرير الخارجية الأمريكية منع ترشح غير المسلمين لمنصب رئيس الجمهورية، تدخلا صارخا في الشأن الداخلي والدستور الجزائري، الذي شرع لذلك بإرادة شعبية مطلقة، وأن الأمر مناف للأعراف والتقاليد الدبلوماسية، مضيفا في تصريح خاص ل”الفجر”، أن التقرير متناقض تماما مع الواقع ويفتقد للموضوعية في بعض جوانبه، لاسيما في مجال ممارسة الشعائر الدينية والحريات، وتساءل عن أسباب عزوف معدي التقرير عن انتقاد أوضاع الحريات بالولاياتالمتحدةالأمريكية، لاسيما ما تعلق بممارسة حريات الجالية الإسلامية وخرق حقوق الإنسان بالعراق وفلسطين. اعتبر، أمس، رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، في اتصال هاتفي مع “الفجر”، أن تقرير الخارجية الأمريكية في شقه المتعلق بالجزائر، تجاوز كل الأعراف والقيم الدبلوماسية، مضيفا أن التقرير جاء في شكل تدخل في الشأن الداخلي للجزائر، لاسيما ما تعلق بانتقاده للدستور الجزائري، الذي يمنع غير المسلمين من الترشح لمنصب الرئاسة، وقال قسنطيني: “ليس من حق الهيئات الخارجية انتقاد الدستور الذي نص على منع منصب الرئيس لغير المسلمين، بموجب قانون دستوري زكاه الشعب بأغلبية مطلقة، سواء خلال التعديل الأخير أو تعديل قانون 1989، الذي شرع لتعددية سياسية وإعلامية”، وأضاف أن كل الانتخابات الرئاسية التي عرفتها الجزائر منذ الاستقلال، لم تسجل ترشح أي شخصية سياسية من غير المسلمين لمنصب رئيس الجمهورية، “وإن حصل فإنه يلقى رفضا قاطعا من قبل الجزائريين”، يؤكد المتحدث. وأضاف قسنطيني أنه من الأكيد أن الولاياتالمتحدةالأمريكية، صاحبة التقرير، لن تقبل بأن يكون رئيسها أو حتى وزير خارجيتها مسلما، والدليل على ذلك، الحملة الشرسة التي خاضتها أطراف أمريكية ضد الرئيس الحالي، بارك أوباما، بمجرد إعلانه عن رغبته في تحسين علاقات واشنطن مع الدول الإسلامية والعربية، بالإضافة إلى الضجة التي أثارتها أطراف أمريكية غداة زيارة أوباما لمصر وخطابه الشهير بالقاهرة حول الاعتدال في حرية الأديان والحضارات. وفيما يخص حديث التقرير عن منع السلطات اعتماد 12 جمعية مسيحية، قال فاروق قسنطيني: “إن السبب يتعلق بأمور قانونية وتنظيمية، ومن واجب كل الأطراف والمصالح الأجنبية أن تحترم تشريع البلد المتواجدة فيه، وكيف نفسر اعتماد مصالح وزارة الداخلية لعشرات الجمعيات في الآونة الأخيرة؟”. وأعاب المتحدث عدم إشارة معدي التقرير، الذي وصفه ب”غير الموضوعي والمناقض للحقيقة بالجزائر”، إلى الأساليب غير الأخلاقية التي تمارسها بعض الجمعيات ورجال الدين المسيحيين بالجزائر، كالإغراء والمناورات في عمليات التنصير المختلفة التي أحبطت العديد منها مصالح الأمن. ومن سلبيات تقرير الخارجية الأمريكية، يضيف ذات المصدر، تجاهل تدوين ما يحدث من اضطهاد لحقوق الإنسان بأمريكا ذاتها، لاسيما ما تعلق بالجاليات المسلمة المقيمة هناك، إضافة إلى عدم نشره للخروقات التي تقوم بها قوات الاحتلال بمن فيما الأمريكيين بالعراق والتجاوزات الاستعمارية والهمجية للعدو الإسرائيلي في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، دون أن يخوض في قضية “يهودية إسرائيل”، والحملة التي تعرض لها أوباما مباشرة بعد تأييده للدين الإسلامي المتسامح وبناء مركز ثقافي إسلامي، والتي ازدادت حدة بعد تداول أخبار تتحدث عن انتمائه للإسلام، وهي الحملة التي انتهت بخسارة أوباما في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وهو مؤشر آخر عن التطرف الأمريكي ضد الإسلام.