كان الصحابة رضوان الله عليهم، في المقام الأسنى من توقير النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم أمره ونهيه، والمبادرة إلى ما يندبهم إليه، وكانوا يخفضون أصواتهم عنده، ولا ينادونه كما ينادي بعضهم بعضاً، وكان كلام أحدهم معه كأخي السرار، أي كالمتحدث سراًً. لما أوفدت قريش عروة بن مسعود الثقفي يوم الحديبية قبل أن يسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأى من تعظيم أصحابه له ما رأى، وأنه لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه، ولا تسقط منه شعرة إلا استبقوا إليها، وإذا أمرهم بأمر سارعوا إليه، ولا يحدون إليه النظر، مهابة وإجلالاً وتعظيماً، لما رأى ذلك كله وأكثر منه، رجع إلى قريش فقال لهم:”يا معشر قريش: إني جئت كسرى في عظمته، وقيصر في سلطانه، والنجاشي في ملكه، وإنّي والله ما رأيت ملكاً في قوم قط، مثل محمد في أصحابه”. وهذا العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم يسأله المصطفى عليه السلام: ”أنا أكبر أم أنت؟” فقال رضي الله عنه: ”أنت أكبر وأكرم، وأنا أسنّ منك”. (رواه السيوطي في كتابه: ”تاريخ الخلفاء”).