دعا أئمة مساجد العاصمة والمناطق التي عرفت شرارة الأحداث، جموع المصلين إلى التحلي بالأمن والسكينة، تطبيقا لتعليمة وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، التي كانت قد أصدرتها منذ أسابيع تدعو من خلالها الأئمة إلى محاربة العنف والتطرف بجميع أشكاله استغل الأئمة في دورس وخطب صلاة الجمعة لإبراز نعمة الأمن ودعوا إلى الهدوء والسكينة، على خلفية الاضطرابات التي شهدتها مدن ومناطق من البلاد احتجاجا على الارتفاع الفاحش لأسعار المواد الأولية، معتبرين أن إتلاف الممتلكات العمومية والخاصة وإلحاق الأذى بالأشخاص، سلوكات لا تمت بصلة إلى الدين الإسلامي الحنيف، الذي يحرم هذه الأعمال ويدعو في تعاليمه إلى الأمن والخير والسلام. ونوه عدد معتبر من الأئمة بفترة التسعينيات التي عاشتها الجزائر عندما كان هاجس المواطن الجزائري سلامته وأمنه قبل قوت يومه، وبهذا تكون مصالح وزارة الداخلية والجماعات المحلية قد استنجدت مرة أخرى بالأحداث في محاولة منها لاحتواء الوضع وامتصاص غضب المواطنين جراء موجة ارتفاع الأسعار. وشمل الطوق الأمني المفروض على العاصمة أمس، بسبب توسع رقعة الاحتجاجات إلى مختلف أحيائها الشعبية ليلتي الأربعاء والخميس، ساحتي الشهداء وأول ماي، وطول شارع زيغود يوسف خاصة الجزء المحاذي لمبنيي المجلس الشعبي الوطني وكذا مجلس الأمة، وبعض الشوارع الرئيسية قبل وبعد تأدية صلاة الجمعة، كما عرفت أحياء باش جراح وحي الجبل، وادي أوشايح، وباب الوادي، بلكور، العقيبة، الحميز، حالة تعزيز أمني قصوى، تحسبا لأي انزلاق قد تعرفه العاصمة بفعل عودة الاحتجاجات واندلاعها المفاجئ، خاصة بعد انتشار إشاعات حول تنظيم مظاهرات تنطلق بعد صلاة الجمعة. وتلقت مصالح الأمن تعليمات صارمة بالتزام أماكن العمل، وقطع الإجازات والعطلة الأسبوعية، وإجازات التعويض عن العمل، وفرضت المديرية العامة للأمن الوطني، حالة تأهب بين أعوانها وإطاراتها، لأي طارئ أو انزلاق أمني يمكن أن ينجر عن تواصل الاحتجاجات. وشوهدت العشرات من شاحنات قوات مكافحة الشغب تتنقل في مختلف الاتجاهات، منذ الصباح الباكر من يوم الجمعة، لتتحول الجزائر العاصمة في ظرف وجيز تحت حراسة أمنية مشددة، عززتها عناصر الشرطة بالزي المدني، في “البؤر الساخنة”، ورغم “السوسبانس” الذي ميز الشارع العاصمي، حول عودة الاحتجاجات في أي وقت ممكن، إلا أن حالة هدوء وحذر ميزتا أغلب الشوارع والأحياء قبل صلاة الجمعة وبعدها، حتى في الأماكن التي كانت مسرحا لأعمال شغب وتكسير وحرق الليلتين الماضيتين، كباب الوادي والحراش وباش جراح وغيرها، بينما عرفت الأحياء الراقية كحيدرة، سيدي يحيى والأبيار، دالي ابراهيم، الشراڤة، حالة هدوء وحركة عادية للمواطنين، ولم تشهد نفس التعزيزات الأمنية التي عرفتها الأحياء الشعبية ووسط العاصمة، وكأن شيئا لم يحدث. وكانت صلاة الجمعة، التوقيت الذي ضبط عليه المواطنون عدهم التنازلي، ليكون توقيت اندلاع أعمال شغب جديدة، حسب ما راج في الشوارع والمقاهي والمساجد، غير أن الهدوء الذي خيم على العاصمة، أزاح حالة السوسبانس الذي انتابهم، وجند رجال الأمن بشكل جدي وصارم. وخيمت حالة من القلق والترقب وسط المواطنين في المقاهي الشعبية وفي الأسواق، وطبعت أحاديثهم نقاشات سياسية، وتحليلات مختلفة حول خلفيات وأسباب الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية، التي نشبت في أغلب ولايات الوطن بشكل متزامن، وبرزت تخوفات بين المواطنين، على اختلاف مستوياتهم العمرية والتعليمية، من تكرار سيناريو أحداث 5 أكتوبر 1988، فكان للإشاعة مكانها وثقلها، بين من يروج لهذه الفكرة، وبين من يقلل من خطورة الوضع، ويحصر هذه الأحداث، في أعمال معزولة وغير منظمة، وبين من وصفها بأعمال إجرامية يقودها مراهقون مسبوقون قضائيا وشبان منحرفون، تحت غطاء المطالبة بتخفيض أسعار الزيت والسكر، وهناك من أعطاها تفسيرا آخر، مفاده وجود أياد تريد تسخين الشارع، لحسابات سياسية بحتة متعلقة بالرئاسيات المقبلة. وبلغت الإشاعات ذروتها حين تناقل الشارع العاصمي خبر انتشار وحدات من الجيش الشعبي الوطني وسط بلدية بن عكنون وقبالة البريد المركزي، غير أنه لا شيء من هذا القبيل حدث، فما عدا حوامات الشرطة التي كانت تحلق في أجواء العاصمة، وقوات مكافحة الشغب المتواجدة في مختلف الأحياء الشعبية، لم تسجل أي تعزيزات أمنية إضافية، ولم يكن هناك مكان لقوات الجيش أو الدرك الوطني، خاصة أن حالة الهدوء خيمت على العاصمة طيلة النهار، وكانت الأمور تبدو جدا طبيعية، لولا حالة الشلل شبه التام الذي عرفته الحركة التجارية، بسبب إبقاء المحلات مغلقة ما عدا بعض المقاهي الشعبية والبقالات الصغيرة والمخابز، فالعديد منها تعرض للنهب والتكسير وسرقة السلع وصناديق أموالها. وخلال الجولة المطولة التي قادت فريق “الفجر” منذ صباح أمس إلى غاية عصره، في أغلب بلديات العاصمة، وأحيائها “الساخنة”، تبين أن طوقا أمنيا فرض على بعض الهيئات الرسمية للدولة، كمجلس المحاسبة، مجلس الأمة، المجلس الشعبي الوطني، وزارة الدفاع الوطني، قيادة القوات البحرية (الأميرالية) بباب الوادي، المديرية العامة للأمن الوطني، محكمة عبان رمضان، البريد المركزي، وزارة الشباب والرياضة، المؤسسة العقابية سركاجي، فضلا عن المؤسسة الوطنية للتبغ والكبريت بباب الوادي، وهي مؤسسات وهيئات رسمية تقع في نقاط كان يحتمل أن تقع فيها أعمال شغب، ما عجل بتطويقها أمنيا. وتمت حراسة بعض مراكز البريد الكبرى، كونها كانت مستهدفة في أعمال الشغب التي اندلعت يومي الأربعاء والخميس، بينما لم تسجل أي تعزيزات أمنية حول البنوك الأجنبية والعمومية، وبقية الوزارات، وكذلك الأمر بالنسبة لمقرات وكلاء السيارات، التي أغلقت أبوابها، يوم الخميس باكرا، واعتمدت على أعوانها الخاصين لحراسة مقراتها وبشكل خاص لحماية حظائرها المليئة بمئات السيارات والمركبات، تحسبا لأي أعمال تستهدفها. وطالت أعمال لصوصية وسرقة الكثير من المحلات حتى في بعض الأحياء الراقية، وشملت بعض وكلاء السيارات ومراكز البريد في عين البنيان والرغاية وباش جراح والحراش وبلكور وعدد من الأحياء الشعبية الأخرى، فتعرض مقر متعامل الهاتف النقال الوطنية تيليكوم، الكائن بأولاد فايت، لمحاولة تخريب من قبل مجموعة من حوالي 70 شابا، مساء أول أمس، كانوا مدججين بالأسلحة البيضاء والسواطير، حيث تمكنوا من سرقة خمس أجهزة إعلام آلي وجهازي تلفاز من نوع بلازما، ومجموعة كبيرة من الرقاقات، بعد أن كسروا مخزن الشركة، قبل تدخل أعوان الحراسة الذين أنقذوا المقر من كارثة كنت ستحل به.