مازال الإعلام يلعب دورا هاما في محاولة كسب التأييد أوالترويج لآراء ومواقف معينة من أي حدث، إلا أن أحدا لم يكن يتوقع ظهور مواقع اجتماعية أصبحت شكلا متطوّرا من أشكال أسلحة الإعلام الحديثة وباتت تنافس في رواجها أهم الفضائيات الإخبارية، بعد أن تحول المواطن العادي إلى مراسل صحفي يساهم في نقل الخبر والمواقف فأعادت بذلك إلى الذاكرة الشعبية الدور الذي لعبته إذاعة ”صوت العرب” في الترويج لحركات التحرر عربيا. الدور الذي تلعبه مختلف المواقع الاجتماعية في ثورات الغضب، هذه الأيام، يمكن أن يعيد إلى الذاكرة الشعبية الدور الذي كانت تلعبه إذاعة ”صوت العرب” التي كانت صوت المناضلين العرب الإعلامي وداعم مجاهدي الجزائر والمغرب وتونس، وهو ما يجسده ”الفايسبوك” اليوم، وإن كان بصورة أشمل تتلاءم وتحديات العصر الحالي. وحالة الاحتقان الشعبي التي يعرفها العالم العربي هذه الأيام، والتي انطلقت شرارتها الأولى من تونس، ليلتقطها شباب عربي جمعهم ضياع الحلم تحت أقدام حكم أراده أصحابه أن يكون أبديا، وجدوا في المواقع الاجتماعية، على غرار ”تويتر” و”الفايسبوك”، وسيلة للتواصل بينهم وتبادل شيفرات مواعيد انطلاق احتجاجاتهم وآخر الأخبار عن مسار انتفاضتهم التي شاركهم فيها كل العالم، لتشكل هذه المواقع منافسا آخر لأهم الفضائيات الإخبارية التي لا يمكن إنكار دورها في نقل الحدث، إلا أننا لا يمكن أن ننكر أيضا أن مثل هذه المواقع هي من سهلت تواصل المتظاهرين وأخرجتهم إلى الشارع وكانت تمدهم بالدعم المعنوي اللازم في كل مرة للاستمرار من خلال مواكبتها للحدث والاستعانة بالشبان في وضع تصورات لما سيكون، وهو ما شكل حافزا لجموع الغاضبين للتمسك بخيار الشارع والرهان على التغيير الذي لم يكن من بين حسابات الأنظمة العربية البائتة. وقد تأكد دور هذه المواقع الاجتماعية بعد نجاحها في إسقاط نظام بن علي، لينتقل إلى مصر، أين تحولت هذه الأداة إلى سلاح في وجه حسني مبارك وإن لم يسقط بعد، إلا انه أدرك عكس سابقه ولو متأخرا أن موقعا ”تويتر” و”فايسبوك” أداتان رئيسيتان لحشد الجماهير وصناعة الشعارات والإعلان عن أماكن التجمعات ومواعيدها فسعى إلى حجبهما، إلا أن قراره جاء متأخرا بالنظر إلى تشبع الشعب المصري بقناعة السقوط، وهو ما اضطره إلى القبول بالواقع واللجوء إلى الخيار العسكري في الشارع والدبلوماسي أمام كاميرات العالم التي تتابع عن كثب ما يحدث في أم الدنيا. وبالتالي يمكن القول إن الشبكة العنكبوتية خلقت شكلا إعلاميا جديدا بات منافسا حقيقيا للإعلام المتعارف عيه من عقود، لتصبح ”تويتر” و”الفايسبوك” وحتى ”اليوتوب” سلاحا آخر في يد شباب غاضب على الحكم البائس وجدوا أسلوبا مختلفا لتدويل قضيتهم وهم يناشدون غدا أفضل.