يرى ميشال فوكو أن نظام الخطاب له منطق داخلي وارتباطات مؤسساتية، المثقف وسط هذا في خطاب قرامشي سلطة معادلة.. أو على الأقل ذات ارتباط في حسابات المؤسسة.. لكن ثورة الياسمين، وثورة الشباب المصري تتجاوز هذا الطرح القديم نسبيا مقارنة بشبكات التواصل الاجتماعي التي صارت الفاعل الحقيقي للثورة العربية النخب العربية المثقفة.. لم تطلق الشرارة لا هنا ولا هناك.. في النرد التونسي أقحم أبو القاسم الشابي بصورة تطاولية قد تعني ضمنيا تخاطراً شعريا ضعيفا من حيث القوة المحركة لنيران البوعزيزي.. وكان قدر العرب أن يتحركوا من جسد بائع للخضار وليس مثقفا صاحب منهج فكري يرتكز تارة على الماركسية التي تؤمن للجماعة ما يكفي من ماء المطر، وتارة مدجج بالتراكمات العبثية التي ما فتئت لخصت معنى بوهميته.. ما دور المثقف وسط كل هذا؟؟ في أي صف يقيم صلاة التابع؟؟ هل حرقت النيران جسده مجازا فقط..؟؟ ما هو دوره بعد الشباب الثائر؟؟ ما هي القصيدة التي قد يرفعها عند سقوط الأنظمة العربية.. القسم الثقافي إبراهيم سعدي الشعب متقدم على النخب السياسية والثقافية في الوطن العربي الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة العربية في تونس أولا ثم مصر وقبلها الجزائر، فندت المقولات التي راجت حول الشعوب العربية، وأدخلتها في سبات الشعوب النائمة، والشعوب خاضعة للنظام الداخلي الحاكم، بمجيء هذه التطورات السريعة انقلبت الموازين، وأكدت العاصفة الثورية العربية أن الشعب العربي شعب متقدم ليس فقط على نظرائه من شعوب العالم وإنما متقدم حتى على النخبة السياسية والثقافية في الوطن العربي. إذا ما نظرنا إلى هذه الثورات التي لم يكن فيها للأحزاب السياسية ولا للنخب السياسية دور فعال، ولا حتى أخذت جرعتها من الفئات النخبوية الأخرى، سيما الثقافية التي تدعي الريادة الشعبوية، بل انبعثت من الشعب، وهو ما جعل العديد من المجتمعات غير العربية الأخرى تتفاجأ من قدرة هؤلاء على قيادة أوطانهم إلى ما يطمحون إليه، في الوقت الذي بقيت فيه النخب غائبة، معلنة بذلك تخلفها عن الشعوب التي تنتمي إليها. هذه الأحداث المتسارعة تجعلنا نتساءل هل ستكون النخب بمستوى تطلعات الشعوب العربية اليوم التي قادت الثورة في تونس وقلبت موازين الحكم، وهي تثور اليوم في مصر لتغيير النظام الدكتاتوري الذي عاشت تحت وطأته لأزيد من 30 سنة، بالتأكيد لن تكون لأن النخبة المثقفة برهنت على غيابها وموتها وأعلنت تخلفها عن الشعوب التي تنتمي إليها. وأنا أوقن أن الشعوب العربية التي قامت بهذه الأحداث التي نشهدها اليوم في الساحة العربية، لن تعود كما كانت قبل ذلك، والمستقبل القريب سيفي بكل الوعود التي جاءت بها هذه الثورات، رغم أنها لن تكون سهلة التحقيق والمنال وستعوقها بعض المشاكل ومحاولات الإجهاض. ولكن مع ذلك أعتقد أن خطوة عملاقة وتاريخية قد حدثت في العالم العربي، جعلت شعوبه تدخل التاريخ وتترك بصماتها الواضحة في القرن ال21، وهي بذلك تسجل انتفاضتها لدخول عصر الحداثة الذي لطالما ظلت غائبة عنه. كنا نأمل أن يترك المثقف آثاره على هذه الثورات ولكنه يتخلف، لكننا أمام مثقف آخر سوف يزيح البساط من تحت المثقف النمطي، هذا المثقف الذي سيطلع من رحم الأوساط الشبابية، أكيد يعرف جيدا كيف هي العلاقة الحقيقية بين المثقف والحاكم. أحمد دلباني الثورة العربية تبعث فينيق الذات العربية من رماد مؤسسة التاريخ أعتقد أن الأحداث الأخيرة التي عرفها ويعرفها العالم العربي هي ثورات بالمعنى التام للكلمة. وربما لا أظنني مخطئا إن قلت إنها أهم ما شهد العالم العربي منذ أيام حرب التحرير الجزائرية التي أسدلت - كما نعلم - الستار على الحقبة الكولونيالية الكلاسيكية. هذه الثورات رجت مومياء مجتمعاتنا وضخت في أوصالها إكسير الحياة من جديد. وها هو المجتمع العربي ينتفض ضد كل ما حَنّطهُ في مستنقعات التخلف والاستبداد وغياب أفق الأمل في خلاص يعتق فينق الذات العربية من رماد مؤسسة التاريخ الراكد بفعل غياب الديمقراطية والتنمية الفعلية وغياب دولة المؤسّسات والمواطنة. هذه الثورات العربية شعبيةٌ بالمعنى التام ولم يسهم فيها المثقفون. إنها انتفاضة غير مسبوقة أربكت كل المحللين وفاقت كل التوقعات. لقد أسقطت من معجمها مفهوم الأنتلجنسيا بوصفها قوة التطلع التاريخي وقائد التغيير. ولكن غياب الأنتلجنسيا لا يعني، بحال، أن المثقفين لم يعد لديهم ما يقولون في ظروف مماثلة وفي منعرجاتٍ حاسمة بالنسبة لمصائر مجتمعاتهم. هنا أعتقد، شخصيا، أن من مهام المثقف الطليعي - النقدي اليوم أن يواكب الثورة وأن يسهم في تجذيرها باعتباره مشاركا لا وصيا، وباعتباره مرصدا نقديا ينبه إلى إمكان انحراف الثورة عن أهدافها في انعتاق الإنسان الشامل أو سُقوطها في أحبولة الفكر الاستبدادي الأحادي أو الأصولية والتراجع عن أكثر التَّطلعات ديمقراطيةً. ليست الثورة حلما ينتهي بقطع رأس الملك؛ وهي ليست انقلابا على القيصر ليحل محلّه ستالين، أو خلعا لرئيس الجمهورية الفاسد من أجل إقامة حكم الخلافة القروسطي: إنها هاجس بالحرية والمساواة والعدالة والكرامة. وعن قرار رفع حالة الطوارئ، أعتقد أنه أمر مطلوبٌ وإجراء يعزز بصورة كبيرة ممارسة الحقوق الديمقراطية والحريات الفردية والجماعية. لذا، أتمنى فعلا أن يتم ذلك في أقرب وقت في بلدنا لأن ذلك سيمثل متنفسا حقيقيّا من أجل حياة سياسية ومدنية دون عوائق أمنية كبَتت الحريات وكتمت الأنفاس في الماضي القريب. لقد عانينا كثيرا في الجزائر من هذا الوضع الذي كانت له أسبابه الأمنية في العشرية الدموية بكل تأكيد، أما الآن فقد أصبح مطلبا مهمّا وأساسيا من أجل جزائر جديدة. ولكنني أتساءل: لماذا تأخر هذا الإجراء إلى اليوم رغم مطالبة الأحزاب والمُثقفين به مُنذ مُدة طويلة ورُغم تحسُّن الأوضاع الأمنية في البلاد؟ لماذا لم تستجب السُّلطة لمطالب المجتمع المَدني والطبقة السياسية والمُعارضة الفعلية إلا في هذا الوقت الذي شعرَ فيه الجميع بأن زلزال التغيير الشعبي قامت ساعته؟ أعتقد أن الحُريات الخاصة والعامة والحريات السياسية والإعلامية عانت كثيرا في الجزائر من الاحتكار ومن الغلق غير المبرر في بلدٍ تمنّاهُ جَميع الجزائريين ديمقراطيا مُنذ مواثيق وبيانات ثورتنا العظيمة. بدر مناني المثقف العربي خارج الحكاية من زمان الأحداث الأخيرة التي تعرفها عدد من الدول العربية وعلى رأسها تونس ومصر تعد إنذارا أخيرا في وجه الأنظمة العربية التي اعتمدت لعقود من الزمن سياسة القمع، بالمقابل كانت بعيدة عن الشارع الذي يتخبط في مشاكله وهمومه البسيطة التي لا تتعدى خط الحياة الضروري، وبالتالي كانت النتيجة الحتمية لهذا الوضع في أن ينتفض الشعب ضد الأنظمة، البداية كانت مع تونس ومصر ومن المؤكد أنها ستزحف إلى باقي الدول العربية، للأسف غياب المثقف يعني فجوة حقيقية بين الشعب والطليعة النخبوية.. ثم عن أي نخبة نتحدث.. العالم يؤكد مع وسائل الاتصال أن النخبة الحقيقية هي التي تكون موالية لحقوقها وحاجياتها من أجل حياة كريمة. أما عن الجزائر فإن الأحداث الأخيرة التي عرفتها الجزائر بداية الشهر الماضي والتي تم إجهاضها بطريقة أو بأخرى، ما كانت لتعرف هذا المصير لو وجدت لها تأطيرا مناسبا، أما عمليات التخريب والحرق التي طالت بعض المؤسسات الجزائرية في المناطق التي شهدت حركات احتجاجية، فأكاد أجزم أن الشباب الجزائري بريء منها، لأن همه الوحيد كان في المطالبة بحقوقه وإيصال صوته إلى المسؤولين. وما حدث لم يكن ليخدمه بأي شكل. أما عن القرار الأخير الذي اتخذه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بشأن التحضير لرفع حالة الطوارئ، أرى أنه لا يعدو فرصة لتلميع صورة الجزائر في الخارج وكسب تعاطف الشباب في الداخل من خلال باقي القرارات المتعلقة بامتصاص البطالة والتسريع بتسليم السكنات. وفي حال تنفيذ هذا القرار فإن المستفيد الأكبر في اعتقادي هي النخب السياسية المفلسة التي تعمل على المتاجرة بأحلام الشباب والاستمرار في تقاسم الريوع مع النظام، وبالتالي فإن القرار لا يعني بأي حال الشاب الجزائري البسيط الذي لا تتعدى مطالبه تأمين الحياة الكريمة التي يختصرها في توفير شغل وسكن. محمد العربي زبيري الشعب هو المثقف الأول.. أكدت الأحداث الأخير التي عرفتها الأوساط الشعبية العربية والجزائرية بالتحديد، تقلص دور المثقف النخبوي اليوم، شأنه شأن الفاعلين في الوسط السياسي الذين ظلوا غائبين عن الأحداث التي كان الشعب بطلها الأول والأخير. لم تكن الجزائر بمعزل عن هؤلاء، حيث لم نسجل أي دور فعلي للمثقف الذي غيب نفسه بنفسه، معلنا غياب طليعة مثقفة عندنا، وإن كان هناك وجوب لقيام ثورة في الجزائر، فالأجدر أن تكون ثورة عارمة يقودها مثقفون يعرفون ما للشعب وما عليه. إن وضع البلاد يوجد الآن بين كفي عفريت، لأن الغليان الاجتماعي قد بلغ أوجه، خاصة وضع الشباب الذي يعاني من ثالوث البطالة، التهميش وانعدام الأفق، في حين نجد الطبقة السياسية تتخذ إجراءات مناسباتية تشبه الأقراص المنومة لتهدئة الوضع ليس إلا، وليس لاقتلاع المشكل من جذوره، ما يؤدي إلى التراكم الذي يؤول لا محالة إلى وضع ستدفع الجزائر ثمنه غاليا. شخصيا أتألم كثيرا جراء ما آلت إليه الحياة الاجتماعية والسياسية في الجزائر، خاصة أن الجزائر تمتلك إمكانيات كبيرة وتفتقد لقيادات متنورة. وفي سياق التطورات التي يشهدها العالم العربي، أعتقد أن الوضع في تونس قد تغير بهروب بن علي ورموزه، فهو مخطئ، لأن أيام تونس الآتية ستكون الأسوأ لأن الذي سيتقلد السلطة سيكون أكثر ديكتاتورية من سابقه، أما وضع مصر فهو مختلف، فقد بدا واضحا من خلال الموقف الأمريكي الذي نادى في البداية برحيل مبارك فورا، ثم بدأت لهجة الولاياتالمتحدة تخف حتى وصلت إلى نتيجة ضرورة بقاء مبارك لإحداث الإصلاحات ثم بعدها انتقال السلطة سلميا. في الأخير يجب أن أذكر بأن الذين يرون ما يحدث في العالم العربي بشارة خير، ودليل وعي شعوب المنطقة مخطئ، لأن الذي حرك ويحرك الأوضاع ليس من الداخل، بل خارج الحدود وما يهمه هو حماية الكيان الصهيوني من أي تهديد خارجي، حتى وإن لم تكن له حدود جغرافية مباشرة معه.