رغم إعلان الرئيس الأمريكي شخصيا عن مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن، إلا أن هناك الكثير من الأصوات تعالت مكذبة الخبر، مطالبة بأدلة وبجثة بن لادن، والحجة أن أمريكا عودت العالم على الكثير من الأكاذيب التي تتخذها حجة إذا ما كانت بعض المواقف تتطلب منها ذلك، مثل كذبة أسلحة الدمار الشامل التي اتخذتها ذريعة لاحتلال العراق. ربما لم يقتل بن لادن جسديا، وهو احتمال وارد زادت من حدته السرعة التي تعاملت بها أمريكا مع “جثته” التي رمتها في البحر بحجة أنها لم تجد بلدا يقبل أن تدفن في ترابه، لكن الأكيد أن بن لادن قتل بكل معاني الكلمة سياسيا وجهاديا وحتى مخابراتيا، لأننا لا يجب أن يغيب عن أذهاننا أن الرجل صناعة أمريكية، استعملته مخابراتها في حربها ضد روسيا في أفغانستان، وكانت في كل مرة تحرك فزاعة بن لادن خاصة بعد أحداث سبتمبر، عندما تنخفض شعبية رؤسائها، أو عندما تجد نفسها في مواجهة مشاكل اجتماعية أو سياسية يستعصي حلها، وكان بن لادن كل مرة يطلع على الجزيرة مهددا أمريكا والغرب الصليبي ويطلع معه زئبق الترمومتر السياسي. ولأن أمريكا اليوم تحتفل بالانتصار على الإرهاب وعلى القاعدة، وأوباما نفسه هو من أعلن رسميا عن الحدث ويشارك اليوم أهالي ضحايا غراوند زيرو في نيويورك الاحتفال، فهذا يعني أن بن لادن صار حقيقة من الماضي، ولن نتوقع أن يعود الرجل عبر الجزيرة مهددا، وهذا يعني أن أمريكا طوت بهذا الإعلان نهائيا صفحة استعمالها للعنف الإسلامي في حروبها مع أعدائها الحقيقيين والوهميين، فلا يجب أن يغيب عن انتباهنا، أن أمريكا هي من شجعت التيار الإسلامي السلفي ومدته بالتدريب والسلاح والوسائل اللوجستية في أفغانستان وساعدتها في ذلك بريطانيا التي كانت قبلة المجاهدين يجيئون من كل ربوع الأرض ومن البلدان الإسلامية ويوجهون بعدها إلى أفغانستان بحجة مواجهة المد الشيوعي، لكن الحرب على الروس انتهت منذ أكثر من عشرين سنة، ولم يجد أفغان البلدان الإسلامية من وجهة يتجهون إليها، فلجأوا إلى السودان، لكن الأرض ضاقت بهم فانتشروا في الأرض ملحقين الضرر أينما حلوا، وكانت الجزائر أكبر متضرر من الجهاديين الأفغانيين سنوات التسعينيات، لكن لم يعرف العالم مخاطر التنظيم إلا بتفجيرات سبتمبر، عندما وجه رجال بن لادن غضبهم ضد أمريكا التي تخلت عنهم. اليوم؛ أمريكا طوت أو تحاول أن تطوي نهائيا صفعة العنف الإسلامي بإعلانها القضاء على بن لادن، ربما لأنها رأت أنها لم تعد في حاجة إلى هذا التيار لتنفيذ سياستها في العالم العربي أو الإسلامي، وقد برهن حراك الشارع العربي لها انه بإمكانها أن تنفذ أية سياسة تريد بأقل الخسائر ودونما أسلحة أو عنف، يكفي لها أن تحرك” الجزيرة” ونسخها الأخرى وستحصل على ما تريد. وربما لهذا الغرض أيضا تبنى تيار الإخوان التظاهر السلمي كسلاح للتغيير، فهذا السلاح حقق في ظرف وجيز ما لم يحققه قرابة قرن من التعبئة، ولا شك أن أمريكا ستدعم مستقبلا هذا التوجه فهي ترى أن النموذج التركي هو الحل الأمثل للمشاكل التي يتخبط بها العالم الإسلامي، وتضرب عصفورين بحجر، تتخلص من أنظمة متكلسة، ومن مخاطر العنف الإسلامي في آن.