تعتبر قصص الأطفال من بين الوسائل التربوية التي ينتهجها الأولياء والمعلمون من أجل ترسيخ المبادىء والقيم الأولية في نفسية كل طفل، ولأنها جد مهمة لاتزال تحظى بإقبال منقطع النظير في المكتبات، رغم وجود الرسوم المجسمة وأغاني القصص على الفضائيات المخصصة للأطفال. لا يعرف قصة “لونجة بنت السلطان” و”جحا” وغيرها من الأساطير القديمة التي تربينا عليها وحلمنا بأبطالها، ونسجنا منها أحلامنا وتمنياتنا، ولكن هل يعرف صغار هذا الجيل هذه الشخصيات.. هو السؤال الذي طرحناه على الكثير من الأطفال الصغار، الذين رسمت علامات استفهام في أعينهم عند سماع هذه الأسماء “الغريبة”، الأمر الذي جعلنا نتيقن أنها بدأت تتبدد وتؤول إلى الزوال. وفي هذا السياق أخبرتنا إحدى السيدات أنها كانت تروي هذه الحكايات لأبنائها غير أنهم لم يتأقلموا معها وبدؤوا يسألونها عن شخصيات القصص الحديثة التي يسمعون بها من أصدقائهم وزملائهم في المدرسة، هي معادلة أصبح يصعب تحقيقها..إذ يتعلق الأمر بالمحافظة على التراث ومواكبة التطور. كما أرجعت أم أخرى من الجزائر العاصمة تراجع قصص التراث إلى عدم توفرها مكتوبة، في الوقت الذي يسعى الجميع إلى تلقين أبنائهم اللغة والابتعاد عن اللهجة العامية من خلال اقتناء القصص والروايات المكتوبة. ازدهار تجارة قصص الأطفال مرتبط بانتشار رياض الأطفال عرف الطلب على قصص الأطفال ازدهارا كبيرا في المكتبات الجزائرية في الخمس سنوات الأخيرة، هذا ما أكده لنا السيد (ج.س)، صاحب مكتبة في العاصمة، الأمر الذي جعله يسعى للتنويع منها وجلبها من أماكن مختلفة، وما جعل دور النشر تكثف إنتاج مثل هذه المؤلفات. وأرجع هذا التطور الحاصل إلى الانتشار الواسع لرياض الأطفال التي لا تستغني عن هذه القصص.. هذا ما أكدته لنا السيدة آمال، صاحبة روضة الملائكة في بومرداس، تعمد في كل مرة إلى تزويد روضتها بآخر الإصدارات من القصص الموجهة للأطفال الصغار، ففقرة القصة هي حصة قارة في برنامج روضات الأطفال. كما أن الكثير من الأمهات أصبحن يحرصن على رواية القصص للأبناء من الكتب بهدف تعليمهم اللغة منذ نعومة اظفارهم، على عكس العامية التي لا تنمي قدراتهم اللغوية.. هذا ما أوضحته الكثير من الأمهات المثقفات، على غرار سعاد التي تعتمد عليها منذ السنة الأولى من حياة طفلها. لا يختلف الامر كثيرا عند السيدة حنان، فهي تعتمد على نفس الطريقة غير أنها تستعمل تلك المكتوبة باللغة الفرنسية، لأنها تحاول تلقين أبنائها هذه اللغة في بداية حياتهم. وفي هذا السياق فإن الكثير من المدارس الإبتدائية وخاصة أقسام التحضيري، تخصص حصة أسبوعية لقراءة القصص، وبالتالي فهي من أهم العوامل التي جعلت قصص الأطفال سلعة رائجة ومطلوبة بكثرة. الرسوم المتحركة تعوض القصص.. يعد موعد مشاهدة الرسوم المتحركة فترة مقدسة ينتظرها الطفل بفارغ الصبر، فهي تنمي خياله وتغذي قدراته، إذ تنتقل به إلى عوالم جديدة لم تكن لتخطر له ببال، وتجعله يتسلق الجبال ويصعد الفضاء ويقتحم الأحراش ويسامر الوحوش، كما تعرّفه بأساليب مبتكرة متعددة في التفكير والسلوك.. هذا ما يجعل الكثير من العائلات تحرص على أن تخصص لها مساحة في حياة أطفالهم، ويغنيهم عن رواية القصص لأبنائهم، هذا ما أوضحته لنا السيدة سميرة التي تعتبر الرسوم المتحركة كفيلة بأن تعوض القصة التي هي - على حد قولها - أسلوب قديم لا يتماشى مع التكنولوجيات الحديثة، كما أنها تغنيها عن شراء القصص وقراءتها في كل مرة. أما السيدة ليندة فولدها أصبح يرفض الاستماع أو قراءة القصص، لأنه في كل مرة يخبرها أن ما ترويه أو تقرأه شاهده من قبل على شكل رسوم متحركة. وفي هذا السياق، فإن الكثير من الأمهات تؤكدن أن كل الرسوم المتحركة ماخوذة من القصص والروايات، وبطبيعة الحال فإن الأطفال تجذبهم الصورة والألوان، هكذا ساهمت القصص التلفزيونية في التقليل من إقبال الأطفال الصغار على القصص المكتوبة. قصص تُختصر في أغان وأناشيد لا يخفى على المتتبع لأغاني الأطفال المنتشرة في الفترة الأخيرة، أنها أصبحت عبارة عن ملخص لقصة من قصص الأطفال، وهو ما يعتبر أسلوبا جديدا قلل من اهتمام هذه الفئة بقراءة القصص، هذا ما ذهبت إليه الكثير من الأمهات اللائي يعتبرنها طريقة تمكن الطفل من استيعاب القصة وفهمها جيدا، خاصة أنه يحفظها ويرددها في الكثير من المرات، وهو ما تحدثت عنه السيدة زينب، التي وجدت قناة تقدم هذا النوع من الإنتاج، فولدها لا ينفك يردد الأغاني التي وجدت فيها حكايات مسلية وعبر مفيدة، هي نفسها التي نجدها في تلك المكتوبة. من جهة أخرى، فإن بائعي القصص أصبحوا يواجهون طلب الأطفال لقصة الأرنب والثعلب.. وغيرها من قصص الأغاني التي يسمعونها يوميا، في حين العائلات الملتزمة أصبحت تركز على الأناشيد الدينية في تربية أبنائها، وتكتفي بقصص الأنبياء مثلا. قصص الأطفال وسيلة تربية ومتعة أجمع علماء الاجتماع على تقويم قصص الأطفال من خلال وظيفتها الرئيسة والأساسية كأفضل نمط اتصال وتواصل، وأحسن أسلوب تعلم، وأبرع طريقة تعليم، ولكن بوظيفة أخرى هي وظيفة “التطييب” لحياتهم، أي بواسطة الإمتاع والمؤانسة والترويح عن النفس، بما في ذلك تلك القصص والحكايات من ألوان الخيال الجميل الذي يزين أحلامهم ويمتع عقولهم بما في تلك القصص من أحداث وقيم وعبر، ولأن أطفال اليوم هم أمل المستقبل وعلى عواتقهم تقع مسؤولية التغيير ووظيفة البناء والتجديد من ناحية، ومهمة الإبقاء على القيم الإيجابية وعملية ضمان استمرارية الحياة في المجتمع في قيمها الخيرة والنقدية، يتوجب أن يحسن المجتمع، اختيار ما يقدمه إلى الأطفال من ثقافة ومعرفة ومعلومات بواسطة القصص والحكايات، ليعرفوا ما ينفعهم منها، أي من قيم الحق والخير والعدل والأمن والمثل العليا، التي تساعدهم على أداء مهمتهم في المستقبل.