من المجحف أن نحكم على مبدع ما من خلال نصوصه الأولى، لاعتبارات كثيرة أهمها أننا لا يمكن بأي حال أن نقرأ الأعمال الإبداعية خارج ظروفها الذاتية والزمنية، لكن هل يعني هذا أن على النقّاد التسامح مع الثمار غير الناضجة لشجرة مبدع ما، نظير لذّة ثماره الناضجة ؟؟ وهل يجبّ الإبداع الجديد ما قبله من بدايات ؟؟ في هذا السياق، تحضرني قصّة تعنيني شخصيا، ولا تزال تؤثر إلى يومنا هذا على انطباعاتي تجاه واحد من أهم مغني الراب في الجزائر، ويتعلّق الأمر بلطفي دوبل كانو، الذي من المنتظر أن يطلّ على المشاهد الجزائري في رمضان القادم، من خلال برنامج لا أدري كيف أصنّفه "ديني"، "وعظي" أم "نُصحوي" ؟ لا أعرف؛ المهم هو برنامج بعنوان "ربّي يهدينا" برمجته قناة "بور تي في" في شبكتها الرمضانيّة وتراهن عليه يتحدّث فيه الشيخ لطفي عن السلوكيات الاجتماعية السيئة وكيفية تصحيحها.. الحاصول؛ مشكلتي مع الشيخ لطفي - المجايل لي تقريبا - أنني لطالما اعتبرته إنسانا جهويا، منقادا إلى فكر العروشيّة والإقصاء، وهو ما ظهر جليا في إحدى أغاني بداياته الفنيّة.. يقول الشيخ لطفي في أغنية بعنوان "البحر والموجة" من ألبوماته الأولى: "نروحو للبحر كي كون calme، نضحكو على ال kavia اللي يبلونجيو ب les palmes، يجيبو الزيت باش يبرونزيو ذراع.. يتغطاو بالزوّر ويتغدّاو بالدلاّع.." شخصيا، أعتبر أنّ أروع أيّام الصيف التي قضيتها في حياتي، كانت عندما كنت أبيت مع أصدقاء الحومة، بدنانيرنا المعدودات وأحيانا المعدومات،، على رمال الشاطئ ليلاً، بصحبة الدلاّع البارد طبعا، وزجاجة المشروب الغازي المدفونة في الرمل المبلول.. كنت وأصدقائي إذن؛ مضحكةً للشاب لطفي وأصدقائه الذين ولدوا أمام البحر، ويعرفون السباحة ولا يتغذون بالبطّيخ ولا يبيتون في العراء تحت البطّانيات.. كيف لي إذن؛ أن أقبل النصيحة التي يسوّقها الشيخ لطفي اليوم، في أغانيه وبرامجه شبه الدينية ؟ وهو الذي تعامل مع أمثالي في يوم من الأيام على أنهم أطفال أو شباب من كوكب آخر.. kavia، براويّة، منتحلو صفة مصطافين !! أعرف أنني تعاملت مع الأمر بحساسية مفرطة، لكنّه التلقّي الأول وسلطته على الذائقة، لذلك لم أتصالح أبدا مع إبداعات هذا المدفع المزدوج "double kanon" الذي شاطت أولى طلقاته.. "وربّي يهديني"