منذ مدة قصيرة التقيت في إحدى المدن الفرنسية أحد معارفي الذي لم أره منذ أن انخرطنا معا في شبيبة حزب جبهة التحرير بعد الاستقلال مباشرة، ثم أصبح مناضلا وبعد ذلك ترشح للمجلس الشعبي البلدي، وعندما التقينا قال لي بالحرف الواحد، بعد أن ذكرني بتلك الفترة، "لم تمض عليّ سوى عدة أيام منذ أن فهمت أن هناك فرقا شاسعا بين جبهة التحرير الوطني وحزب جبهة التحرير الوطني"، وأخذ يشرح لي الفرق أن جبهة التحرير انضوى تحت جناحيها الشيوعيون والعلمانيون واللائكيون وغيرهم من التيارات. وما أريد أن أقوله هنا كيف لمناضل في حزب ولم يفهم مبادئه إلا بعد نصف قرن من الزمن، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على الجهل العمدي المطبق في هذا الحزب بعد الاستقلال، لأنه خلال الثورة كان هناك المحافظ السياسي الذي يجول في القرى بين أفراد الشعب وبين الجنود ليشرح لهم ما معنى جبهة التحرير وما هي أهدافها، أما بعد الاستقلال فقد سرق اسم جبهة التحرير من طرف جماعة وجدة وحوّله بن بلة إلى حزب واستغل سمعته ليستولي على الحكم بعدما قاموا بالانقلاب على الحكومة المؤقتة وتهربوا من انعقاد المجلس التأسيسي في ذلك الوقت الذي كان من المفروض أن يعلن حل جبهة التحرير الوطني. ولا يحق لأي شخص أو جماعة أن تستغل هذا الاسم من أجل مآرب سياسية، ولو لمدة معينة. لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فبعد أن تأسس الحزب أصبحت لديه مقرات ومكاتب وهو الذي يتخذ القرارات ويعين الحكومات، أما كوادره في القسمة فمستواهم العلمي يتراوح بين بعض الجامعيين وبعض الأميين الذين وصلوا إلى المراكز القيادية بطرق لا نعرفها، أما القاعدة فكانت تتكون من العمال والفلاحين الذين لم يستوعبوا حتى الفرق بين جبهة التحرير وحزب جبهة التحرير مثل صديقي هذا المناضل الذي أدرك الفرق بين الاسمين بعد خمسين سنة! وبين القمة والقاعدة، أي القسمة والمندوبية والمحافظة، استولى عليه المعلمون حتى لا نقول الممرنون في تلك الفترة، الذين يتعاملون مع المناضلين الأميين على أساس أنهم علماء في السياسة، وعندما يقترب من الحزب في السبعينيات بعض الشباب المتكونين والمتخرجين من الجامعات لا يسمحون لهم بالانخراط في الحزب، بما يضعونه أمامهم من مشاكل وتعقيدات، ولا ننسى أيضا أن الصراع كان على أشده في القمة بين أعضائه ما بين جماعة الشرق الجزائري وجماعة الغرب الجزائري وكل واحد يريد أن ينصب جماعته في المراكز الحساسة، إلى أن وصلنا إلى أصحاب الانقلاب العلمي الذين استولوا على كل شيء ولم يتركوا لغيرهم سوى المشادات في مكاتب المحافظات والقسمات. سعيد - فرنسا ملاحظة: وهل تعتقد أن الأفالان ما زالت صالحة لكي توضع في المتحف؟ المتحف للأمور النفيسة.. فهل الأفالان نفيسة الآن بعد هذا الذي يحدث فيها؟!