تقضي العائلات العنابية، منذ حلول شهر رمضان، أفضل الأوقات مع الأهل والأصدقاء، حيث تستمر السهرات حتى وقت السحور، أين يجتمع شمل العائلة لتبادل أطراف الحديث لنسيان بارومتر درجة الحرارة التي أثقلت يوميات سكان بونة، والذين يتوجهون بعد صلاة التراويح إلى الكورنيش للتمتع بزرقة مياه البحر والنسمات اللطيفة والقوارب الراسية في البحر هناك الذين يفضلون الجلوس في ساحة النورة ”الكور العنابي” لارتشاف القهوة أو تناول المثلجات و”الكريبونة” المكونة من الماء والليمون والسكر. أما عائلات أخرى فتفضل البقاء في الريحان والياسمين التي تنبعث من السكنات القديمة المتواجدة بالأحياء الشعبية العريقة على غرار بلاص دارم، التي تحولت منذ الأيام الأولى لرمضان إلى مقصد للعائلات والأهل الذين يلتقون في فناء البيت، وفي هذه الأثناء تتفنن النساء في تزيين الصينية بإبريق الشاي والمكسرات والمقروض العنابي المحلى بالشربات، إلى جانب بعض حلويات رمضان كحلوة الترك والزلابية. كل هذه المنكهات تصنع سهرات مميزة من خلال سرد حكايات مستوحاة من التراث، إلى جانب تبادل الألغاز والأحاجي التي تحمل الحكمة والنضج من خلال مشاركة الأطفال في فك كل لغز يحكيه الشيوخ والعجائز، حيث تغتنم الأم الفرصة لمعرفة قدرة الإبن على التفكير والإبداع الفكري، لأن في مثل هذه الجلسات اجتهاد للصغار للتهيأ لدخول مدرسي جديد، أما الفتيات فيرددن بعض الأغاني والمدائح الدينية والشعر الشعبي الذي تطلقه الحناجر القوية والمدفونة في زوايا المدينة العتيقة ”بلاص دارم”. ويستمر سمر الأهالي حتى وقت السحور أين يهم الحضور بالمغادرة للإستعداد لصلاة الفجر واستقبال يوم جديد.