استنكر الجزائريون الأفعال المشينة التي يُلحقها بعض الجزّارين بشرف مهنتهم، بذبحهم الحمير وتجميد لحومها، ثم إعادة بيعها للزبائن على أساس أنها لحوم مستوردة من الهند أو من إنتاج شركة ”سوتراكوف”، الشركة المعنية ببيع اللحم المحلي المجمد خلال شهر رمضان وباقي الأشهر اللحم الهندي يقفز إلى 560 دج ولحوم سوتراكوف تصل 650 دج في دردشة جمعتنا ببعض الجزّارين، التقينا بهم على مشارف مذبح الرويسو بالعاصمة عشية أول أمس، ووجدنا إلى جانبهم مستورد للحوم الحمراء من الخارج، تحدثنا إليهم رفقة موظف سابق بهذا المذبح، كان برفقتنا، ولم نكشف عن هويتنا أثناء الحديث إليهم، خصوصا وأننا وجدناهم في منتصف الكلام يتجادلون حول مصير الجزائريين في ظل ”التكالب” المتزايد من قبل بعض الجزارين على حساب شرف المهنة، ممن أضافوا إلى سجلاتهم بيع لحم الحمير المجمد من دون ترخيص قانوني ولا مراقبة بيطرية تسمح لهم بذلك، ولقد طرحنا على هؤلاء تساؤلا مفاده ”هل حقا أن هناك جزارين يمارسون هذه التجارة المحرمة قانونا وشرعا، وهل يبيعون لحم الحمير في المحلات كباقي اللحوم، وكيف يصنّفونها من حيث النوعية عند البيع، وماذا عن دور المستهلك في ذلك؟”، وهنا قاطعنا أحد الجزارين قائلا ”هذا شبيه بتحقيق أمني، ولولا مرافقة زميلنا لكم لكنت أظنكم منهم”، ثم واصل يقول ”لا أظن أن هناك جزارين يمارسون ذلك في المحلات، لكن المؤكد أن هناك تجارا، وليس مهم إن كانوا جزارين أم لا، المهم أنهم يذبحون الحمير ويبيعونها على أساس أنها لحوم هندية أو لحوم شركة سوتراكوف، وفي ذلك هم يقلدّون الأختام لإعطاء المصداقية، ويضيفون بعض الأصباغ والمواد الكيماوية والأعشاب لإعطاء هذه اللحوم صفة اللحوم الحمراء الأخرى،”وربما هي تباع بنفس سعر اللحوم التي ذكرناها، ويصعب اكتشافها بالعين المجردة، وأحيانا أيضا حتى عند الذوق يصعب تمييزها، مثلما حدث منذ سنوات عندما أكل العاصميون كميات من لحم الحمير من دون قصد”. 400 دج فارق الربح عن كل كيلوغرام وبالنسبة للمستورد الذي كان برفقتهم، فقد ركّز على الأسعار أكثر، حيث قال ”كان من المفروض أن يباع اللحم الهندي المجمد ب 450 دج للكلغ، غير أنه قفز إلى 560 دج، ونفس الشيء بالنسبة للحم المحلي المجمد الذي بلغ 650 دج للكلغ، فيما كان منتظرا ألا يتجاوز 550 دج، هذا ما حرك نشاط هؤلاء التجار، الذين انتهزوا الفرصة لبيع لحم الحمير بهذه الأثمان، وذلك أيضا ما جعل الجزائريون يعزفون تدريجيا عن اللحوم المجمدة ويخافون منها، خصوصا وأن هناك شائعات متداولة عن إشكالية ذبح اللحم الهندي ومدى سلامته من الناحية الشرعية، لذا فالأمر بات واضحا، ولم يبق سوى الشروع في تحسيس المواطن بخطر استهلاك الحمير لأضراره الصحية وعدم إجازته دينيا على المسلمين”، وهي الخطوات التي أكد بشأنها محدثنا، أنها ضرورية في شهر رمضان، ومن الواجب، حسبه، أن تقوم مصالح البيطرة بتحذير المستهلكين وتبيان الخطر والمواصفات التي يحملها لحم الحمير، وكيفية التمييز بينه وبين اللحوم الأخرى مهما كان الأمر، لاسيما في ظل تزايد النشاط التجاري في هذا المنحى، لتحقيق أرباح قياسية بأقل التكاليف وبجودة اللحوم الحمراء، حيث يؤكد أن الأرباح عن الكلغ الواحد تتجاوز 300 إلى 400 دج، مقارنة بلحوم البقر والغنم، وبالتالي فإن الأطنان التي تباع في الأسواق من لحم الحمير تعود على أصحابها بالملايير في ظرف أيام. المهم نوعية اللحوم وليس وجهة الاستيراد وأردنا أن نتحقق فيما إذا كان هذا المستورد من بين موردي اللحم الهندي أم لا، إلا أنه رفض الحديث عن هذا الموضوع، قائلا ”نستورد من عدة بلدان، وليس مهما أن تكون الهند وجهتنا أو السودان أو الأرجنتين ودول أخرى، المهم أن نتعامل بالشروط الإسلامية المفروضة علينا في الدين”، موجها كلامه إلى كل المستوردين، حيث يدعوهم إلى تهذيب وارداتهم من اللحوم، والتعامل مع شركاء من الدول المسلمة، ممن يذبحون وفق الشرع لتجنب الشبهات، كما يدعو الحكومة إلى مراقبة كل ما يتم استيراده في مخابر مختصة، لمواجهة تلاعبات الموردين وشركائهم بالخارج على حساب المستهلك الجزائري، وهي الخطة التي يراها كفيلة بإنجاح مخطط استيراد اللحوم، في انتظار ما ستسفر عنه مخططات وزارة الفلاحة في هذا المجال، ويقصد بذلك تربية المواشي واستحداث مزارع وملابن من شأنها أن تمتص الطلب المحلي على اللحوم والحليب. هناك من يريد تشويه سمعة الجزارين وشركة ”سوتراكوف” وبالنسبة للجزّار الثاني الذي كان برفقة محدثينا، فلم يشأ الدخول أكثر في هذا الموضوع وتناوله من ناحية الأخطار والأضرار الصحية، وراح يتحدث عن الأرباح والتسويق وانتشار الظاهرة عبر مختلف الولايات، متأثرا بالربح السريع الذي يحققه هؤلاء، بالرغم من أنه رفض قطعيا أن تكون الأرباح هي الحجة الوحيدة في هذه التجارة، معتبرا أن أصحابها غير واعين ولا ضمير إنساني لديهم، ووصفهم بالدخلاء على السوق ”ولكن بأي طريقة؟”، مضيفا، أنهم لو تاجروا في نشاط مواز لبيع اللحوم الحمراء كان أفضل من بيع لحم الحمير، غير أنه أشار إلى خيار الربح السريع الذي يرغب فيه هؤلاء من دون مراعاة المستهلكين، وختم كلامه معنا بقوله ”استغباء الجزائريين بهذه الطريقة ليس من شيم التجار الفضلاء، لكن هناك من يريد تشويه سمعة الجزارين وشركة سوتراكوف بهذه التجارة، ونحن نتساءل دوما عمن يقف وراء هؤلاء الغشاشين، ومن يدعمهم بالمواد الكيماوية والأصباغ التي تضفي على لحم الحمير نوعية اللحوم الحمراء، لاسيما وأن هذه المواد مستوردة من الخارج. والأكثر من هذا نتساءل أيضا عن نشاط هؤلاء من ناحية مواقع التدريب على هذه الأفعال؟؟؟”.