تشهد المواقع الأثرية المتواجدة بمدينة سكيكدة حالة من الإهمال الذي أثر على بقاء مخزونات هذه المواقع في المتاحف التي وضعت فيها، فقد أسفرت عمليات هامة من التنقيب والبحث خلال السنوات القليلة الماضية عن اكتشافات هامة جداً قطع أثرية في صناديق و138 عائلة تستبيح موقعا أثريا ببني ولبان متحف الآثار القديمة مشروع ب49 مليار سنتيم للحفاظ على كنوز روسيكادا أكدت على وجود إرث حضاري هام يمتد من عصر ما قبل التاريخ وصولا إلى الحقبة الاستعمارية مرورا بالعديد من الحضارات والثقافات التي تعاقبت على المنطقة، لتزال هوية سكيكدة الأثرية، لكن لم تجد هذه البحوث وعمليات التنقيب ضالتها بعد لدى المسؤولين على قطاع الثقافة عندنا، بدليل أنّ عددا هاما من المسترجعات الأثرية تعرض ويتعرض إلى التخريب والاندثار بفعل الجهل والزمن، ولم يتوقف هذا الإهمال عند الأثريات فقط بل طال أيضا المواقع الأثرية بالمدينة، وهو ما نستعرضه من خلال هذا الاستطلاع الذي قادنا إلى أهم المواقع والمتاحف المتعلقة بالآثار في المدينة.. رغم العمليات الهامة التي قادت إلى الكشف عن مواقع أثرية في سكيكدة، والتي نفضت الغبار عن تاريخ وإرث حضاريين وعززت جذور الولاية الضاربة في غابر الأزمان ابتداء من عصر ما قبل التاريخ وصولا إلى الحقبة الاستعمارية مرورا بالعديد من الحضارات والثقافات التي تعاقبت عليها، لاتزال هوية سكيكدة الأثرية عبر الحضارات المتعاقبة بين مطرقة الإهمال وسندان الجهل. فغزارة الكنوز الأثرية وتنوعها أدت إلى طرح إشكالات تتعلق بمصيرها في الوقت الذي لا تزال فيه أرض الولاية تجود من حين لآخر ببعض نفائسها وخباياها. اكتشافات بالجملة والتصنيف مؤجل إلى حين تم اكتشاف 11 موقعا أثريا بولاية سكيكدة خلال سنة 2009 فقط وذلك عبر بلديات رمضان جمال، السبت، زردازة، بني والبان وغيرها، لتضاف إلى المواقع المكتشفة سابقا والبالغ عددها إجمالا أزيد من 20 موقعا أثريا. وإذا كانت بعض المواقع مثل "قرباز"، "قلعة القلة"، "مسجد سيدي علي الذيب" و"قصر مريم عزة" الشهير ببن قانة قد حازت على التصنيف، فإن معظم المواقع لم يتسن لها ذلك، بما في ذلك تلك الواقعة بمدينة سكيكدة والمتمثلة في "الخزانات الرومانية" بمنطقة سطورة و"خزانات سبع أبيار"، لكن ظلت هذه المواقع غير مصنفة، لحد الآن، حيث تشير بعض المصادر إلى وجود عدد من العراقيل الإدارية البيروقراطية التي حالت دون وضع حد لعبث الإنسان لتترك مفتوحة على الهواء وعرضة للتلف والإهمال. ولعل أبرز هذه الاكتشافات تلك المساحة مترامية الأطراف عبر "مناطق القلة، عين سلامات وخماخم" ببلدية أولاد أحبابة الواقعة أقصى الجنوب الشرقي للولاية، والتي تضم مدينة أثرية رومانية بأكملها ممثلة في قلعة القلة التي تحتضنها الجبال، إلى جانب معاصر الزيتون، و"المقبرة الفينيقية" بغابة دمبو بالقل الواقعة غرب الولاية التي تعد معلما أثريا نادرا باعتبار كما هو معروف أن سياسة الرومان قامت على الاستيطان محل الحضارات والدول التي غزتها، ناهيك عن عامل الزمن وشح المصادر التاريخية عن هذه الحقبة، وبالنظر إلى قيمة الموقعين فقد اقترح جعل الأول محمية أثرية في حين اقترح جعل الثاني محمية أثرية وطبيعية في نفس الوقت، هذا دون نسيان ذكر على سبيل المثال لا الحصر باقي المواقع الأخرى على غرار بلدية السبت التي تضم ثلاث مواقع أثرية ومناطق زردازة، بني والبان عين قشرة، أولاد أعطية وغيرهم. أما بالنسبة للمسرح الروماني فقد تم اكتشاف مؤخرا الأدراج القديمة من قبل المؤسسة المكلفة بإنجاز غرفة الفنانين على مستواه، ما جعل الأشغال تتوقف من أجل تدخل مختصين في علم الآثار لإجراء حفريات للوصول إلى باقي الأدراج الأخرى وخشبة المسرح الأصلية بعد أن قامت السلطات الفرنسية إبان الاحتلال بطمس معالمهما بالأتربة والحجارة. وحماية للموروث الأثري من خطر الاندثار والزوال، تسعى الجهات المعنية إلى استصدار تصنيف ولائي للمواقع المكتشفة سابقا ومؤخرا كإجراء أولي في الوقت الراهن لوقف النزيف الحاصل خاصة على مستوى المواقع المفتوحة والنائية وعلى رأسها المجمع العمراني شارل مونطالون الذي يمتد من النزل البلدي بمدينة سكيكدة إلى غاية القباضة الرئيسية للبريد والمواصلات. قطع أثرية مبعثرة بين متحف سيرتا، مقار البلديات والصناديق... كنز الولاية الأثري المنقول هو الآخر مهدد بالزوال والتلف، إذ أنه مبعثر بين مختلف الأمكنة، ففي ظل عدم وجود متحف بالولاية يجمع داخله تاريخها الزاخر، تم الاستنجاد برفوف متحف سيرتا بقسنطينة لحفظ حوالي 700 قطعة أثرية منها 3320 قطعة حجرية تعود إلى عصر ما قبل التاريخ تم اكتشافها سنة 2007 بمنطقة حجر مفروش ببلدية عين قشرة، و40 قطعة نقدية من الفضة والبرونز عائدة إلى الحقبتين النوميدية والرومانية إلى جانب قطع أخرى عبارة عن جرار، كسور فخار، مصابيح زيتية وغليون تعود للفترتين الرومانية والعثمانية، أما باقي القطع المكتشفة فقد تم جمعها في 5 أكياس وصناديق وتتواجد حاليا بمقر مديرية الثقافة، في حين تحتفظ مقرات بعض البلديات على غرار السبت، أم الطوب، بني والبان... ببعض القطع وهي بالتالي معرضة للتلف والضياع مثلما كان الحال مع التمثال النحاسي للمحاربة الفرنسية الشهيرة" جاندارك" الذي عثر عليه في أحد مستودعات بلدية حمادي كرومة وقد تعرض للتلف الجزئي بسبب جهل قيمته الأثرية والتاريخية أحد أندر التماثيل التي خلدت ذكرى الراهبة والمحاربة الفرنسية على المستوى العالمي. اللوحات الفنية العالمية تستغيث... الحديث عن الكنوز الأثرية يقود حتما إلى الحديث عن الكنوز الفنية التي تحوزها الولاية من خلال اللوحات الفنية التي صممها رسامين عالميين أمثال "دولا كروا"، "رافايلي"، "خوسي أورتيغا"، "فون ديك" ومؤسس مدرسة الفنون الجميلة بالولاية "عبد العزيز رمضان"، هذه اللوحات اتخذ لها مكان على جدران النزل البلدي لمدينة سكيكدة وهي معرضة باستمرار لشتى أشكال التلف والحوادث، الأخير الذي تجسد في احتراق لوحة "المرأة" لشارلي شابلن خلال الحريق الذي شب بمقر المجلس الشعبي البلدي من جهة ومن خلال الاعتداء على القيمة الفنية للوحة "خوسي أورتيغا" بتغيير الإطار الخشبي المنحوت بنمط "الأرابيسك"، دون الرجوع إلى ذوي الاختصاص لتبقى حاجة هذه اللوحات لمتحف فني يحميها من التلف أكثر من ملحة، خاصة وأنه سبق وأن تم اقتراح مقر الخزينة القديمة كمكان له غير أن الاقتراح بقي مجرد حبر على ورق. غياب ثقافة الآثار يزيد من تفاقم المشكلة... ورغم تسجيل بعض الجمعيات والأفراد لمساهمات عززت مخزون الولاية الأثري من خلال قيامهم بحفريات وعمليات غوص في أعماق البحار، فإن الغالبية قد أثروا بشكل سلبي بدليل حدوث عمليات سرقة وتهريب عبر مناطق عدة من قبل أشخاص كانوا على علاقة بمجموعات تعمل على تهريب الآثار إلى خارج حدود الوطن سيما على الجهة الشرقية منه، والأكثر من ذلك استمرار 138 عائلة في استباحة الموقع الأثري المعروف في بلدية بني والبان بالخربة، في وقت كشف فيه أرشيف الحفريات الفرنسية بأنها مدينة "سسلتيانا" الرومانية الأخت الشقيقة ل"ماسكولا" خنشلة حاليا حيث استوطنوا المكان وجعلوا من حجارته جدرانا لمنازلهم والتراث الأثري سبيلا آخرا لرزقهم. متحف روسيكادا يختزل مكانة الآثار والتاريخ بالولاية... يحدث كل هذا في ظل الفوضى التي يغرق فيها متحف روسيكادا الواقع بمدينة سكيكدة والذي لا يزال في حالة متدهورة جراء الإهمال الذي طاله طيلة السنوات الماضية، دون أن يطرأ عليه جديد، وباعتباره الواجهة الأثرية والتاريخية الوحيدة للولاية في الوقت الراهن وإليه يحج ضيوفه من بينهم سفراء وقناصلة الدول، إلا أنه أخفق في استقطاب الدارسين والباحثين والفضوليين على الرغم من الكنوز الأثرية التي يحوزها، كل هذا لم يشفع له بالتفاتة جادة لنفض غبار الإهمال عنه، مما جعله جسدا بدون روح من خلال تغييب المختصين في علم الآثار والتاريخ إذ من أجل صيانة محتوياته أو مرافقة زواره من الجمهور المحلي قبل الضيوف اكشف خبايا تاريخ الولاية، و ما يتواجد به من عمال لا علاقة لهم بتاتا بالآثار، هذا في حين تستقبل القمامة كل هؤلاء بتموقعها قبالة مدخل المتحف مباشرة غير بعيدة عن المقرات الرسمية ومصالح البلدية في مظهر يعبر بحق عن المكانة الحقيقية للآثار والتاريخ بالولاية. لتبقى أنظار المهتمين بالتاريخ والآثار شاخصة على متحف الآثار القديمة المنتظر الانطلاق فيه بعد وضع دفتر الشروط، حيث خصصت له مساحة هامة تبلغ هكتار واحد بالقرب من دار المعلم بقلب مدينة سكيكدة، ومرتقب أن تبلغ تكلفته 49 مليار سنتيم، من شأنه أن يحافظ على الإرث الحضاري للولاية الممتد عبر الأزمان والعصور.