حالة من ”الجيشان النقدي” تجتاح الولاياتالمتحدة في الذكري العاشرة للحادي عشر من سبتمبر. ”النقد الذاتي” تحول إلي نوع من ”جلد الذات”، و”نقد النقد” لم يترك أية شاردة أو واردة: الخدع السياسية، الحرب في العراق وأفغانستان، حقوق الإنسان، الأزمة الاقتصادية والبطالة، الثورات في الشرق الأوسط وأرتفاع أسعار النفط. ما يجمع هؤلاء النقاد علي اختلاف مشاربهم هو تأكيدهم بعد عقد كامل علي أن: أحداث 11 سبتمبر هي ”مأساة كبري” بكل المقاييس، لكنها لم تكن ”نقطة تحول تاريخية” كما زعم معظم المحللين والمنظرين في العالم الغربي، لأنها لم تبشر بقدوم عصر جديد من العلاقات الدولية، يتسيد فيه الإرهابيون حلبة الصراع الدولي، كما أن هذه الهجمات الإرهابية الكارثية التي راح ضحيتها (ثلاثة آلاف شخص برئ) لم تتحول إلي حدث مألوف أو شائع يتكرر باستمرار. أضف إلي ذلك أن تكريس ”جورج دبليو بوش” لفكرة: ”الحرب العالمية ضد الإرهاب” كان مبالغا فيه، كما يقول ”ريتشارد هاس” رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، لأن أغلب التطورات المهمة علي مدي العقد الماضي تمثلت في: تقدم وانتشار تكنولوجيا المعلومات، والعولمة، والحرب في العراق وأفغانستان، والأزمة الاقتصادية العالمية، والاضطرابات السياسية في بقاع كثيرة من العالم وفي القلب منها الشرق الأوسط. جوزيف س. ناي، الأستاذ بجامعة هارفارد، وصاحب تعبير ”القوة الناعمة” ومؤلف كتاب ”مستقبل القوة”، يعدد الدروس المستفادة بعد مرور عقد كامل من الزمان، ويخلص إلي نفس النتيجة التي توصل إليها ”هاس” وهي: ” أن الرئيس جورج دبليو بوش ارتكب خطأً تكتيكياً عندما أعلن عن ”حرب عالمية ضد الإرهاب”. إذ كان بوسعه أن يفعل ما هو أفضل من ذلك بوضع الاستجابة في إطار الرد على تنظيم القاعدة، الذي أعلن الحرب على الولاياتالمتحدة. فقد أسيئ تفسير الحرب العالمية ضد الإرهاب لتبرير مجموعة واسعة من التدابير، بما في ذلك الحرب المضللة والمكلفة في العراق، والتي تسببت في إلحاق أشد الضرر بصورة أميركا. كما أساء العديد من المسلمين فضلاً عن ذلك قراءة أو تفسير ذلك المصطلح باعتباره تهجماً على الإسلام، ولم تكن هذه نية الولاياتالمتحدة بطبيعة الحال”. أما الثمن الحقيقي للحادي عشر من سبتمبر – برأيه – يتمثل في ”تكاليف الفرصة المهدرة”: فعلى مدى العقد الأول من هذا القرن، ومع تحول مركز ثِقَل الاقتصاد العالمي تدريجياً باتجاه آسيا (الصين والهند)، كانت الولاياتالمتحدة مشغولة بحرب اختيار خاطئة في الشرق الأوسط. لكن الكتاب الذي رصد بالأرقام تكاليف تلك الفرصة المهدرة فهو ”حرب الثلاثة تريليون دولار” تأليف جوزيف ستيجليتز وليندا بيلمز، فقد ساهمت الحرب في العراق وأفغانستان في إضعاف أميركا على صعيد الاقتصاد الكلي، وأدت إلى تفاقم عجزها وأعباء ديونها. وآنذاك، كما هي الحال الآن، أدت الاضطرابات والثورات في الشرق الأوسط إلى ارتفاع أسعار النفط، وإرغام الأميركيين على إنفاق الأموال على الواردات من النفط، في حين كان بوسعهم لولا ذلك أن ينفقوا هذه الأموال لشراء سلع منتجة في الولاياتالمتحدة. المؤلفان يكشفان: أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أخفى نقاط الضعف هذه من خلال هندسة فقاعة الإسكان التي أدت إلى فورة استهلاكية انتهت بأزمة مالية واقتصادية، وسوف يستغرق الأمر سنوات قبل أن يتسنى لأميركا أن تتغلب على مديونياتها المفرطة، فضلاً عن انعاش سوق العقارات مرة أخري. لقد أدى إجهاد المؤسسة العسكرية، ومعرفة الآخرين بذلك، إلي تهديد البعض بإضعاف أمن أميركا أيضا. ناهيك عن أن ”قوتها الناعمة” وسلطتها المعنوية خاصة في مجال الحريات وحقوق الإنسان أصبحت موضع تساؤل عالمي. ان الأضرار الجانبية الناتجة عن هذين الحربين هائلة: حيث تزعم بعض التقديرات أن أكثر من مليون عراقي فقدوا حياتهم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بسبب الحرب. ووفقاً لبعض الدراسات، فإن ما لا يقل عن 137 ألف مدني فقدوا حياتهم في أعمال عنف في أفغانستان والعراق في الأعوام العشرة الماضية؛ هذا فضلاً عن 1.8 مليون لاجئ من العراقيين فقط، ونحو 1.7 مليون عراقي نزحوا داخليا. عصام عبدالله