الحمد للّه يا سي سعد، تحركت ولم تترك صناع التاريخ المزيف يفعلون ما يؤمرون من قبل أنفسهم الأمارة بالسوء ومن قبل شياطين الإنس الذين يريدون أن يبخسوا الناس حقوقهم والرجال الذين لا يعرفون التكلم إلا على الأموات ويحملونهم كل مشاكل البلاد والعباد وكأن الذين أمامهم في الحكم من الأحياء أنبياء لم يرتكبوا أخطاء. من كان شجاعا حقا فليتكلم على الأحياء الذين بيدهم السلطة والجاه وتوزيع المال كما يشاؤون ويمكنهم الدفاع عن أنفسهم بكل الوسائل وليس على الأموات الذين هم تحت التراب أو الضعفاء المساكين الذين لا يمكنهم حتى صد الذباب من على وجوههم. مكانتك يا سي سعد كصحفي له خبرة في مجالسة القدماء من المسؤولين الذين هم في عداد الأموات والمخضرمين والمعاصرين يمكنك من أن تدلي بشهادتك حول ما عشته في فترة الاستقلال وما عاشته البلاد وعن كل ما شاهدته وما سمعته من قبل الكثير من المسؤولين حول شخص بومدين ومرحلة حكمه. فلا تترك أنت وكل من يعرف القليل أو الكثير من تاريخ تلك المرحلة وذلك الرجل المخلص الوفي الذي كرس حياته لوطنه وشعبه واليوم بدأت بعض الأبواق تنهش لحمه وهو بين يدي ربه، مع كل الاحترام الذي نكنه لمجاهدي ثورتنا المظفرة الكرام وخاصة منهم الشرفاء والذين نشأنا على حبهم وتقديرهم وزادنا حبا لهم حب بومدين الذي أنقذنا نحن أبناء المساكين من الفقر الذي قال عليه سيدنا علي كرم اللّه وجهه ورضي عنه: "لو كان الفقر رجلا لقتلته"، حيث فتحت لنا المدارس والثانويات والكليات والجامعات والأكاديميات وتساوى أبناء شعبنا كلهم في الفرص المتاحة ولم يفضل أحد عن الآخر وكان التنافس النزيه لا تعبر عنه إلا الكفاءات والقدرات وليس المحسوبية كما هو الحال اليوم. غريب أمر بعض مجاهدينا الأحياء، فكل من يحكي مذكراته فهو صائب وغيره خاطئ. الحقيقة المرة في بلادنا هو أنه لا تحكى الأحداث التاريخية إلا بعد موت الأطراف الصانعة لها أو المشاركة فيها بفاعلية وهكذا يبقى طرف يتكلم من دون الرد على أقواله واتهاماته ولو كانوا من الأحياء لما قيل فيهم كلمة واحدة من الكثير مما قيل. الأمثلة كثيرة عن كثرة القيل والقال التي طرحت الكثير من التساؤلات.. فأين الحقيقة عن الثورة التي ألغازها باقية إلى اليوم؟ لم يكشف عنها لمكانة بعض الذين عايشوها في السلطة. ممكن كلام السيد الطاهر فيه الكثير من الحق لكن كان يكون أصح وأدق لو كان بومدين حيا حتى يمكنه الدفاع بنفسه عن كل التهم التي وجهت له من الكاتب. لن تكون هناك حقيقة لأن طابع الأنانية والنرجسية وتصفية الحسابات في سرد الأحداث من قبل أغلب المجاهدين هو السائد وزيادة على ذلك، فإن المسؤولين منهم لم يقولوا شيئا عن الأحياء، بل يوجهون كل كلامهم إلى الأموات لأنهم لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم. التاريخ له رجالاته ولن تكون هنالك حقائق تاريخية إلا عن طريق المختصين في التاريخ والأكاديميين ومن جهات محايدة ومن شارك في الأحداث ومن كان شاهدا عن تلك الأحداث وصانعوها والكلمة الأخيرة تكون للأكاديميين من باحثين في العلوم الإنسانيةو جزائريين وأجانب وخاصة منها التاريخ من قبل مجيء الإسلام وإلى الآن حتى تقال الحقيقة كاملة بحلوها ومرها وسبحان اللّه الذي وحده منزه وله الكمال. سيبقى بومدين رجلا مخلصا وجزائريا مخلصا أحب وطنه وشعبه ولم يكن خائنا كما يريد أن يلفق له البعض من الحاقدين والموالين للمستعمرين وحتى من الذين كان له الفضل عليهم. لقد قال السيد ملاح بأن بومدين قال: "لو خيرت بين مؤطرين أجانب للجيش الجزائري وبين الضباط الذين فروا من الجيش الفرنسي من الجزائريين لاخترت الجزائريين الفارين". وذلك ما صار ولم يفعل ذلك لحسابات سياسية ولا شخصية وخيانة منه لجهاده ولوطنه ولرفاق دربه من المجاهدين ولا الشهداء الأبرار الذين كلما تذكرهم بكت عيناه ولكن فعل ذلك من باب تدعيم القوة الوطنية وإصلاح ذات البين بين أبناء الشعب. ففرار الضباط من جيش الاستعمار من المفروض أنه شرف لهم وليس عار، أما عن النوايا فيعرفها إلا اللّه والذين كانوا حقيقة أذناب الاستعمار ومندسين من قبله في وسط الثوار وكثير منهم لم يخدم في جيشه كنا نعدهم من المجاهدين الأحرار وفي الاستقلال كانوا أشد قوة في محاربة كل المبادئ التي جعلت الشعب الجزائري يثور ضد المستعمر الغاشم المحتل للديار. تمنيت من كل قلبي لو أن السيد الطاهر الزبيري ذكر إحدى محاسن الرئيس الراحل بومدين رحمه اللّه حتى يعطي لكلامه مصداقية. أيعقل أن هذا الإنسان كله شر وهو الذي أغلب الشعب الجزائري عبر عن حبه له في حياته وفي مماته وإلى اليوم حتى من لم يعش فترة حكمه؟!! يبدو أن السيد المجاهد الطاهر الزبيري أطال الله في عمره وأعطاه الصحة في مذكراته لا يريد كتابة التاريخ بقدر ما يريد تصفية حسابه مع المرحوم بومدين والنيل من سمعته نظرا لحقد دفين ضد هذا الرجل الذي خدم الجزائر شاء السيد الطاهر أم أبى. ولقد أحببناه وسنبقى نحبه لجهاده وإخلاصه من أجل الجزائر وشعبها. وسؤال بريء أطرحه على السيد المجاهد الطاهر زبيري: "لم كانت للجزائر هيبة في تلك الفترة أليس بقوة رجالها الصناديد كبومدين؟ ألم تبق يا سي الطاهر زبيري تهوم في البلدان العربية والغربية ولم تتمكن من اللجوء السياسي ولم تمنحك أي دولة اللجوء السياسي إليها؟ فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على قوة الدولة الجزائرية وثقلها وتأثيرها في العالم بفضل قوة رجال مؤسساتها وحنكتهم وقدرتهم وكفاءتهم السياسية والدبلوماسية. لكن للأسف الشديد اليوم فثوار الزور في ليبيا أصبحوا يخيفون الجزائر، الدولة المستقلة التي بها مؤسسات قوية وجيش يقال عنه إنه من أقوى الجيوش في المنطقة ولها مال مكدس في البنوك، ما يعطيها قوة مالية وأصبح ترعبها شرذمة قطاع طرق ومتمردين لا يمكن إلا أن يطلق عليهم اسم الفئران. السيد الطاهر مشكور على ما قاله ومذكراته التي لم أقرأ منها إلا ما نشرته الشروق لأنني لم أقرأ الكتاب بعد لعدم وصوله للعمق الجزائري وصدق من قال: "إذا أردت أن تكون جزائريا فكن عاصميا". ومما قرأته في الحلقات التي نشرتها جريدة الشروق تبين بأن السيد الطاهر الزبيري قام بتصفية حسابه مع الرئيس الراحل بومدين لا غير ولا يريد من ذلك كتابة التاريخ. هل يعقل أن مذكرات أي كان لا تركز إلا على فترة معينة من حياته. فأين فترة طفولته وشبابه ودراسته وأثر نضاله في الحركة الوطنية وما قام به في الثورة من قيادة لمعارك ضد الاستعمار؟ وأين عمله كسيناتور منذ سنين؟ التاريخ لا يرحم من يحقد ويبغض لأن من تتبع عورات الناس مات غما وخاصة منهم الأموات. بومدين رجل وسيد الرجال وأغلب الشعب الجزائري أحبه حتى الذين لم يعايشوا فترة حكمه إلا أن أغلبهم أحبوه لما قام به من إنجازات إبان فترة قيادته للبلاد لأن اللّه لا يضيع أجر المحسنين والتاريخ ينصفهم رغم كيد الكائدين. بومدين بشر والبشر يخطئ ويصيب، لكن ألا يركز من يكتب مذكراته إلا على عيوب الناس ولا يذكر محاسنهم وهي تفوق ما اقترفوه من مساوئ فهذا هو التجني والظلم بعينيه. أخطاء بومدين كثيرة حقيقة ولا يمكن إنكارها وأكبرها السماح لدفعة لاكوست بالتمكن في صفوف الجيش لتأطير الجيش وتدربيه من الضباط الفارين من الجيش الفرنسي لعدم اللجوء للأجانب بعد أن عاهدوا قيادة الثورة وممثلي الشعب الجزائري بالولاء للجزائر وشعبها وأن هروبهم كان من أجل الجزائر والمشاركة في استقلالها. لكن من تربى على الغدر فلن يؤتمن حاله وها هو البعض منهم رجع لأصله وفصله، فالذي تربى عليه في صفوف الجيش الفرنسي؛ حيث تمكنوا من تحييد وتهميش الضباط الوطنيين من المجاهدين وأبناء الاستقلال وتمكنوا من السيطرة على قيادات الجيش الوطني الشعبي في فترة حكم الرئيس الشاذلي وما زاد في نفوذهم هو أحداث التسعينيات التي اختلط فيها الحابل بالنابل وصار الجميع يريد كسب أفراد الجيش لصفه وإلا النيل منهم. فالمتطرفون من الإسلاميين كانوا يرون في كل أفراد الجيش طواغيت ويهددونه بالموت والدعاء عليهم في صلوات القنوت ويتوعدونهم إن هم استولوا على السلطة في البلاد وركبوا على رقاب العباد. أما دفعة لاكوست من الإداريين المدنيين وبعض الفارين من الجيش الفرنسي خاصة منهم من كانوا خدام المستعمر الفرنسي من الفارين وخاصة منهم المندسين ومن هم يرون في كل وطني غيور على وطنه من أبناء الشعب الجزائري مشروعا للإرهاب وإرهابيا يجب وضعه في مجال التسديد ومراقبته وتهميشه ورفضه وحتى تسريحه من الخدمة في مؤسسات الدولة لسبب أو لعدمه بحقوق ومن دون حقوق كما فعل مع الكثيرين ومن بقوا في الخدمة فكانوا ينظرون لهم مشاريع إرهابيين فلم ينالوا حقوقهم المشروعة في الترقية والمسؤولية والكثير منهم أجبروهم على تقديم الاستقالة تحت غطاء الإحالة على التقاعد على الرغم من أن الجميع يعرف جديتهم وكفاءتهم التي لا يختلف فيها من أحبهم أو لم يحبهم من قادتهم أو زملائهم أو مرؤوسيهم. لقد كان عيبهم الوحيد هو أنهم كانوا لا يمشون مع أهواء القادة المتغطرسين والفاسدين الذين يقربون منهم إلا الانتهازيين من "الشياتين"و"بني وي. وي" حتى يخلوا لهم الجو ويفعلون ما يؤمرون من قبل سادتهم أصحاب نعمتهم الذين الكثير منهم حولوهم من موظفين في الإدارة والجيش الفرنسيين إلى مسؤولين كبار في مؤسسات الدولة الجزائرية المستقلة. أما بومدين وكلامي موجه لكل من ينتقدونه ويحملونه مصائب الجزائر كلها فأقول لهم ما قام به من خير لصالح أغلب أبناء الشعب وخاصة الطبقات المحرومة من أبناء الشعب الجزائري، حيث فتح لهم مجال التعليم المجاني وإجبارية التعليم ومنحهم أمل النجاح في هذه الحياة وفتح لهم أبواب المستقبل على مصراعيه وكان لهم ما تمنوه وأصبح الكثير منهم إطارات في جميع المجالات السياسية والإقتصادية والعسكرية على جميع مستويات المسؤولية وأنا أحدهم ابن المناضل العامل الأجير لدى الشركات الاستعمارية لشق الطرق والبناء وإنشاء سكك الحديد ولدى بعض أرباب المال من الجزائريين في الفلاحة وغيرها من الأشغال الشاقة، فلن يلومنا أحد عن حبه وسرد أعماله الصالحة لأبنائنا وعدم نكران الجميل لمن سمح لنا تبوؤ ما لم نكن نحلم به في صغرنا ونحن أبناء المساكين. كما غرسنا حب اللّه ورسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم، في قلوب أبنائنا فمن العيب والعار علينا أن لا نعلمهم حب الوطن والرجال المخلصين الشرفاء لهذا الوطن من الشهداء الأبرار والمجاهدين الأخيار الذين كان لهم الفضل بعد اللّه سبحانه وتعالى في تحرير بلادنا ورقابنا من المستعمرين وبعده من الجهل والتبعية والاستغلال من قبل الذين لا يراعون حقوق البشر لا بوازع من الدين ولا بالقوانين. سنعلم أبنائنا بأن الرئيس بومدين رحمه اللّه كان رجلا مخلصا ونزيها وشريفا وكان مجاهدا ورئيسا فذا كما نغرس فيهم حب كل مخلص عمل من أجل هذا الوطن وشعبه الأبي الذي كان كثير الصبر عن المحن بالأمس واليوم وغدا. فإخلاس الرئيس بومدين للوطن وشعبه جعلنا نحبه ولا ننساه أبدا لأن ما قام به لصالح البلاد والعباد لا يمكن لأي صاحب فساد من الذين اليوم أصبحوا أسيادا أن ينقصوا من شأنه لدى الأجيال. سنبقى نحكي عن أعماله الصالحة من أجل تحرير البلاد وتحسين ظروف معيشة العباد وتكوين دولة لا تزول بزوال الرجال، لكن للأسف لم يتحقق حلمه لما خان من لا يعطون للوفاء والعهود ميعاد، ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ورغم حلمنا الكبير في تقدم هذه البلاد والذهاب بها بعيدا.. لكن ما نراه اليوم من فساد ويضاف له كذب وبهتان بعض العباد فما علينا إلا أن نقول غفرانك ولطفك يا رب فاحم وصن هذه البلاد من فساد بعض العباد. اللهم اجعل من يولى علينا ويسير أمورنا معاول خير من أجل التوجه بنا لطريق الخير والسداد والرشاد وقبر الفساد المنتشر بين العباد في هذه البلاد. عبد القادر ولد لمين/ الجزائر العميقة