تزخر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بما يوجه المسلمين نحو مخالفة اليهود وعدم التشبه بهم والتمايز عنهم في كل شيء؛ وذلك لترسيخ مفهوم المفاصلة الإيمانية والشعورية والفكرية، وليتحقق مبدأ البراء منهم. ولا شك أن امتثال المؤمنين لذلك كان من أهم الأسباب التي أدت إلى غربلة الصف المؤمن ونفي الخبث عنه وكشف شوائبه المتمثلة بالمنافقين الذين شكلوا طابورا خامسا داخل المدينةالمنورة لصالح اليهود الذين ما فتئوا يتربصون بالدولة الإسلامية الناشئة وبالمؤمنين الدوائر.. ففي ظل وجود اليهود في المدينةالمنورة وحدوث الخلطة الدائمة والمعايشة المستمرة معهم كان لا بد من تحصين الصف المسلم من الإصابة بعدوى أمراض اليهود العقائدية والفكرية والاجتماعية والأخلاقية وغيرها من الأمراض التي استوطنت تلك الشرذمة الخبيثة من البشر.. فكان الأمر بمخالفتهم في عاداتهم وتقاليدهم وطريقة لباسهم وأكلهم وشربهم وسلامهم وحتى دفنهم لموتاهم ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ”خالِفوا اليهود، فإنهم لا يصلُّون في خفافهم، ولا نِعالهم”. وقوله: ”إن اليهود والنصارى لا يَصبُغُون فخالفوهم”. وقوله: ”إن الله طَيِّبٌ يحِبُّ الطِّيب، نظِيفٌ يحب النظافة، كريمٌ يحب الكرم، جوادٌ يحب الجُودَ، فَنَظِّفُوا -أُراه قال: أَفْنِيَتَكُم- ولا تَشَبَّهُوا باليهود”. إضافة إلى اختياره الأذان بدلا من أبواق اليهود وأجراس النصارى، وتحوله - بأمر من الله تعالى - عن بيت المقدس قبلة المسلمين الأولى إلى البيت الحرام، حتى إن آخر كلامه صلى الله عليه وسلم قبل أن يلتحق بالرفيق الأعلى كان متضمنا على لعن اليهود والنصارى لاتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد وأمره بطردهم من جزيرة العرب. وإذا كان المسلمون يجتهدون هذه الأيام لاغتنام موسم الخير المتمثل في يوم عاشوراء، فإن الكثير منهم يغفل عن تقصي الدروس على انتهاز تلك الفرصة لتأصيل منهج مخالفة اليهود في نفوس المسلمين.. فقد ورد في الصحيحين عن ابن عباس صلى الله عليه وسلم قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”فنحن أحق بموسى منكم، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه”.. ولم يكتف صلى الله عليه وسلم بالإخبار أنه هو وأمته أولى وأحق من اليهود باتباع الأنبياء الكرام والسير على سير المرسلين العظام في جميع ما قصدوه من شرائع وأحكام وإنما أصدر قرارا صريحا بمخالفة اليهود بقوله: ”صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، صوموا قبله يوما وبعده يوما” وفي رواية: ”أو بعده”.. وفي رواية ”خالفوا اليهود، صوموا التاسع والعاشر”. الصحابة وعاشوراء لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يصومون فيه صبيانهم تعويداً لهم على الفضل فعن الربيع بنت معوذ قالت أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: ((من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم)) قالت: فكنا نصومه بعد ونصوّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار. (البخاري). وكان بعض السلف يصومون يوم عاشوراء في السفر، ومنهم ابن عباس وأبو إسحاق السبيعي والزهري، وكان الزهري يقول: رمضان له عدة من أيام أخر، وعاشوراء يفوت، ونص أحمد على أنه يصام عاشوراء في السفر. (لطائف:121). والسنّة في صوم هذا اليوم أن يصوم يوماً قبله أو بعده، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومّن التاسع)) رواه مسلم. وقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد ( 2/76) أن صيام عاشوراء ثلاث مراتب : 1 صوم التاسع والعاشر والحادي عشر وهذا أكملها. 2 صوم التاسع والعاشر وعليه أكثر الأحاديث. 3 صوم العاشر وحده. ولا يكره على الصحيح إفراد اليوم العاشر بالصوم.